الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          فصل وإن أسلم كافر وتحته أكثر من أربعة نسوة فأسلمن في عدتهن ( أو كن كتابيات ) أو كان بعضهن كتابيات وبعضهن غيرهن فأسلمن في عدتهن لم يكن له إمساكهن كلهن بغير خلاف ( اختار ولو ) كان ( محرما أربعا منهن ولو من ميتات ) ; لأن الاختيار استدامة للنكاح وتعيين للمنكوحة فصح من المحرم بخلاف ابتداء النكاح والاعتبار في الاختيار بوقت ثبوته فلذلك صح أن يختار من الميتات ; لأنهن كن أحياء وقته ( إن كان ) الزوج ( مكلفا وإلا ) يكن الزوج مكلفا ( وقف الأمر حتى يكلف ) فيختار منهن ; لأن غير المكلف لا حكم له لقوله ولا يختار عنه وليه ; لأنه حتى يتعلق بالشهوة فلا يقوم غيره فيه مقامه وسواء تزوجهن في عقد أو عقود وسواء اختار الأوائل أو الأواخر نصا ، لما روى قيس بن الحارث قال [ ص: 687 ] { أسلمت وتحتي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال اختر منهن أربعا } رواه أحمد وأبو داود .

                                                                          وعن محمد بن سويد الثقفي { أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا } رواه الترمذي ورواه مالك في الموطأ عن الزهري مرسلا ( ويعتزل ) وجوبا ( المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات ) إن كانت المفارقات أربعا فأكثر وإلا اعتزل من المختارات بعددهن ; لئلا يجمع ماءه في رحم أكثر من أربع نسوة فإن كن خمسا ففارق إحداهن فله وطء ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة ، وإن كن ستا وفارق اثنتين اعتزل اثنتين من المختارات ، وإن كن سبعا ففارق ثلاثا اعتزل من المختارات ثلاثا ، وإن كن ثمانيا اعتزل المختارات ، وكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطء واحد من المختارات .

                                                                          وإن تزوج أختين فدخل بهما ثم أسلم وأسلمتا في العدة فاختار إحداهما لم يطأها حتى تنقضي عدة أختها ; لئلا يطأ إحدى الأختين في عدة أختها . ( وأولها ) أي العدة ( من حين اختاره ) للمختارات ; لأنه وقت فرقة المفارقات ( أو يمتن ) عطف على تنقضي أي يجب عليه أن يعتزل المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات أو يمتن .

                                                                          ( وإن أسلم بعضهن ) أي الزوجات الزائدات على أربع ( وليس الباقي ) أي المتخلف عن الإسلام منهن ( كتابيات ملك إمساكا وفسخا في مسلمة ) من الزوجات إن زدن على أربع ( خاصة ) فلا يختار ممن لم يسلمن ( وله ) أي لمن أسلم وتحته أكثر من أربع فأسلم منهن خمس فأكثر ( تعجيل إمساك مطلقا ) بأن يختار أربعا ممن أسلم .

                                                                          ( و ) له ( تأخيره ) أي الاختيار حتى تنقضي عدة البقية أو يسلمن ) فإن مات اللاتي أسلمن ثم أسلم الباقيات فله الاختيار منهن ومن الميتات كما تقدم ; لأنه ليس بعقد وإنما هو تصحيح للعقد الأول فيهن ( فإن لم يسلمن ) أي الباقيات ( أو أسلمن وقد اختار أربعا ) ممن أسلمن أولا ( فعدتهن منذ أسلم ) ; لأن الإسلام سبب منع استدامة نكاحها وإنما كانت مبهمة قبل الاختيار إذ ليس إحداهن أولى بالفسخ من غيرها فبالاختيار تعينت والعدة من حين السبب ( فإن لم يختر ) من أسلم وتحته أكثر من أربع ( أجبر ) على الاختيار ( بحبس ثم تعزير ) إن أصر على الحبس ليختار ; لأنه حق عليه فأجبر على الخروج منه إذا امتنع كسائر الحقوق .

                                                                          ( و ) يجب ( عليه نفقتهن ) جميعا ( إلى أن يختار ) [ ص: 688 ] منهن أربعا لوجوب نفقة زوجاته عليه وقبل الاختيار لم تتعين زوجاته من غيرهن بتفريطه وليس إحداهن أولى بالنفقة من الأخرى ( ويكفي في اختيار ) قوله : ( أمسكت هؤلاء وتركت هؤلاء لفسخ ) أو اخترت هذه أو اخترت هذه ( لإمساك ونحوه ) ك أبقيت هذه وباعدت هذه ( ويحصل ) اختيار ( بوطء أو طلاق ) ; لأنهما لا يكونان إلا في زوجة و ( لا ) يحصل اختيار ( بظهار أو إيلاء ) ; لأنهما كما يدلان على التصرف في المنكوحة يدلان على اختيار تركها فيتعارض الاختيار وعدمه فلا يثبت واحد منهما .

                                                                          ( وإن وطئ الكل ) قبل الاختيار بالقول ( تعين الأول ) أي الأربع الموطوآت منهن أولا للإمساك وما بعدهن للترك ( وإن طلق الكل ثلاثا أخرج ) منهن ( أربعا بقرعة ) فكن المختارات فيقع بهن الطلاق ; لأنه لا يملكه في أكثر من أربع ( وله نكاح البواقي ) بعد انقضاء عدة المخرجات بقرعة ; لأن الطلاق لم يقع بهن ( والمهر ) واجب ( لمن انفسخ نكاحها بالاختيار إن كان دخل بها ) لاستقراره بالدخول كالدين ( وإلا ) يكن دخل بها ( فلا ) مهر لها لتبين أن الفرقة وقعت بإسلامهم جميعا كفسخ النكاح لعيب أحد الزوجين ولأنه نكاح لا يقر عليه في الإسلام فكأنه لم يوجد كالمجوسي يتزوج أخته ثم يسلمان قبل الدخول .

                                                                          ( ولا يصح تعليق اختيار بشرط ) كقوله من دخلت الدار فقد اخترتها ( ولا ) يصح ( فسخ نكاح مسلمة لم يتقدمها ) أي حالة الفسخ .

                                                                          وفي المحرر لم يتقدمه أي الفسخ ( إسلام أربع سواها وليس فيهن أربع كتابيات ; لأن الفسخ إنما يكون فيما زاد على الأربع إلا أن يزيد بالفسخ الطلاق فيقع ; لأنه كتابة وإن اختار إحداهن قبل إسلامها لم يصح ; لأنه ليس بوقت اختيار وإن فسخ نكاحها لم ينفسخ ; لأنه لما لم يجز الاختيار لم يجز الفسخ .

                                                                          ( وإن مات ) من أسلم وتحته أكثر من أربع ( قبل اختيار ) أربع منهن ( فعلى الجميع ) ممن أسلم من نسائه ( أطول الأمرين من عدة وفاة أو ثلاث قروء ) إن كن ممن يحضن لتنقضي العدة بيقين ; لأن كل واحد منهن يحتمل أن تكون مختارة أو مفارقة وعدة المختار للوفاة أربع أشهر وعشرة أيام وعدة المفارقة ثلاثة قروء فوجب أطولهن احتياطا وتعتد حامل بوضعه وصغيرة وآيسة لوفاة ; لأنها أطول ( ويرث منه ) أي الميت ( أربع ) ممن أسلم عليهن وأسلمن ( بقرعة ) كما لو مات عن نسوة [ ص: 689 ] نكاح بعضهن فاسد وجهل

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية