الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومرة أخرى في بساطة ويسر يأخذ بقلوبهم إلى أمر مألوف لهم، مكرر في مشاهداتهم، ليريهم يد الله فيه; ويطلعهم على المعجزة التي تقع بين أيديهم، وعلى مرأى من عيونهم، وهم عنها غافلون:

                                                                                                                                                                                                                                      أفرأيتم ما تحرثون؟ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون؟ لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون: إنا لمغرمون. بل نحن محرومون ..

                                                                                                                                                                                                                                      هذا الزرع الذي ينبت بين أيديهم وينمو ويؤتي ثماره. ما دورهم فيه؟ إنهم يحرثون ويلقون الحب والبذور التي صنعها الله. ثم ينتهي دورهم وتأخذ يد القدرة في عملها المعجز الخارق العجيب.

                                                                                                                                                                                                                                      تأخذ الحبة أو البذرة طريقها لإعادة نوعها. تبدؤه وتسير فيه سيرة العاقل العارف الخبير بمراحل الطريق! [ ص: 3469 ] الذي لا يخطئ مرة كما يخطئ الإنسان في عمله، ولا ينحرف عن طريقه، ولا يضل الهدف المرسوم! إن يد القدرة هي التي تتولى خطاها على طول الطريق.. في الرحلة العجيبة. الرحلة التي ما كان العقل ليصدقها، وما كان الخيال ليتصورها، لولا أنها حدثت وتحدث ويراها كل إنسان في صورة من الصور، ونوع من الأنواع.. وإلا فأي عقل كان يصدق، وأي خيال كان يتصور أن حبة القمح مثلا يمكن فيها هذا العود وهذا الورق، وهذه السنبلة، وهذا الحب الكثير؟! أو أن النواة تكمن فيها نخلة كاملة سامقة بكل ما تحتويه؟!

                                                                                                                                                                                                                                      أي عقل كان يمكن أن يتطاول به الخيال إلى تصور هذه العجيبة. لولا أنه يراها تقع بين يديه صباح مساء؟ ولولا أن هذه القصة تتكرر على مرأى ومسمع من جميع الناس؟ وأي إنسان يمكنه أن يدعي أنه صنع شيئا في هذه العجيبة سوى الحرث وإلقاء البذور التي صنعها الله؟

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يقول الناس: زرعنا!! وهم لم يتجاوزوا الحرث وإلقاء البذور. أما القصة العجيبة التي تمثلها كل حبة وكل بذرة. وأما الخارقة التي تنبت من قلبها وتنمو وترتفع فكلها من صنع الخالق الزارع. ولو شاء لم تبدأ رحلتها. ولو شاء لم تتم قصتها. ولو شاء لجعلها حطاما قبل أن تؤتي ثمارها. وهي بمشيئته تقطع رحلتها من البدء إلى الختام!

                                                                                                                                                                                                                                      ولو وقع هذا لظل الناس يلونون الحديث وينوعونه يقولون: إنا لمغرمون : غارمون بل نحن محرومون .. ولكن فضل الله يمنحهم الثمر، ويسمح للنبتة أن تتم دورتها، وتكمل رحلتها، وهي ذاتها الرحلة التي تقوم بها الخلية التي تمنى.. وهي صورة من صور الحياة التي تنشئها القدرة وترعاها.

                                                                                                                                                                                                                                      فماذا في النشأة الأخرى من غرابة. وهذه هي النشأة الأولى؟ ..

                                                                                                                                                                                                                                      أفرأيتم الماء الذي تشربون؟ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون؟ لو نشاء جعلناه أجاجا. فلولا تشكرون !

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الماء أصل الحياة، وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به كما قدر الله. ما دور الإنسان فيه؟ دوره أنه يشربه. أما الذي أنشأه من عناصره، وأما الذي أنزله من سحائبه، فهو الله سبحانه. وهو الذي قدر أن يكون عذبا فكان لو نشاء جعلناه أجاجا . مالحا لا يستساغ، ولا ينشئ حياة. فهلا يشكرون فضل الله الذي أجرى مشيئته بما كان؟

                                                                                                                                                                                                                                      والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحائب، في صورته المباشرة، مادة حياتهم، وموضع احتفالهم، والحديث الذي يهز نفوسهم، وقد خلدته قصائدهم وأشعارهم.. ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري، بل لعلها تضاعفت. والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم. فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء، وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      أفرأيتم النار التي تورون؟ أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون؟ نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ..

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد كان كشف الإنسان للنار حادثا عظيما في حياته. ربما كان أعظم حادث بدأت منه حضارته. ولكنها أصبحت أمرا مألوفا لا يثير الاهتمام.. والإنسان يوري النار: أي يوقدها. ولكن من الذي أنشأ وقودها؟ من الذي أنشأ الشجر الذي توقد به النار؟ لقد مر حديث الزرع. والشجر من هذا الزرع.. على أن هناك لفتة أخرى في ذكر شجرتها . فمن احتكاك فرع من شجرة بفرع آخر من شجرة أخرى كان العرب يوقدون [ ص: 3470 ] نارهم. على الطريقة البدائية التي لا تزال مستعملة في البيئات البدائية حتى الآن. فالأمر أظهر وأقرب إلى تجاربهم المعروفة. أما معجزة النار وسرها عند العلماء الباحثين فهو مجال للبحث والنظر والاهتمام. وبمناسبة ذكر النار يلمع السياق إلى نار الآخرة: نحن جعلناها تذكرة تذكر بالنار الأخرى.. كما جعلناها ومتاعا للمقوين .. أي للمسافرين. وكان لهذه الإشارة وقعها العميق في نفوس المخاطبين، لما تمثله في واقع حياتهم من مدلول حي حاضر في تجاربهم وواقعهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وحين يبلغ السياق إلى هذا الحد من عرض هذه الحقائق والأسرار، الناطقة بدلائل الإيمان. الميسرة للقلوب والأذهان يلتفت إلى الحقيقة التي تنتهي إليها هذه الحقائق. حقيقة وجود الله وعظمته وربوبيته. وهي حقيقة تواجه الفطرة مواجهة ذات قوة وسلطان. فيهيب بالرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يحيي هذه الحقيقة ويؤدي حقها ويلمس القلوب بها في حينها:

                                                                                                                                                                                                                                      فسبح باسم ربك العظيم ..

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يلتفت التفاتة أخرى إلى المكذبين بهذا القرآن; فيربط بينه وبين هذا الكون في قسم عظيم من رب العالمين:

                                                                                                                                                                                                                                      فلا أقسم بمواقع النجوم - وإنه لقسم لو تعلمون عظيم - إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون. تنزيل من رب العالمين ..

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يكن المخاطبون يومذاك يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل، الذي يدركونه بعيونهم المجردة. ومن ثم قال لهم: وإنه لقسم - لو تعلمون - عظيم .. فأما نحن اليوم فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به، نصيبا أكبر بكثير مما كانوا يعلمون. وإن كنا نحن أيضا لا نعلم إلا القليل عن عظمة مواقع النجوم ...

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا الصغيرة، المحدودة المناظير، يقول لنا: إن مجموعة واحدة من مجموعات النجوم التي لا تحصى في الفضاء الهائل الذي لا نعرف له حدودا. مجموعة واحدة - هي المجرة التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية - تبلغ ألف مليون نجم!

                                                                                                                                                                                                                                      "ويقول الفلكيون إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة، وما يمكن أن تحس به الأجهزة دون أن تراه. هذه كلها تسبح في الفلك الغامض; ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر، أو يصطدم بكوكب آخر، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي، يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة. وهو احتمال بعيد، وبعيد جدا. إن لم يكن مستحيلا".

                                                                                                                                                                                                                                      وكل نجم في موقعه المتباعد عن موقع إخوته، قد وضع هناك بحكمة وتقدير. وهو منسق في آثاره وتأثراته مع سائر النجوم والكواكب، لتتوازن هذه الخلائق كلها في هذا الفضاء الهائل.

                                                                                                                                                                                                                                      فهذا طرف من عظمة مواقع النجوم، وهو أكبر كثيرا جدا مما كان يعلمه المخاطبون بالقرآن أول مرة. وهو في الوقت ذاته أصغر بما لا يقاس من الحقيقة الكلية لعظمة مواقع النجوم!

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3471 ] فلا أقسم بمواقع النجوم .. فالأمر أوضح وأجلى من أن يحتاج إلى قسم.. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم .. وهذا التلويح بالقسم والعدول عنه أسلوب ذو تأثير في تقرير الحقيقة التي لا تحتاج إلى القسم لأنها ثابتة واضحة.. إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون. تنزيل من رب العالمين ..

                                                                                                                                                                                                                                      إنه لقرآن كريم. وليس كما تدعون قول كاهن، ولا قول مجنون، ولا مفترى على الله. من أساطير الأولين. ولا تنزلت به الشياطين! ... إلى آخر هذه الأقاويل. إنما هو قرآن كريم. كريم بمصدره، وكريم بذاته، وكريم باتجاهاته.

                                                                                                                                                                                                                                      في كتاب مكنون .. مصون.. وتفسير ذلك في قوله تعالى بعدها: لا يمسه إلا المطهرون .. فقد زعم المشركون أن الشياطين تنزلت به. فهذا نفي لهذا الزعم. فالشيطان لا يمس هذا الكتاب المكنون في علم الله وحفظه. إنما تنزل به الملائكة المطهرون.. وهذا الوجه هو أظهر الوجوه في معنى لا يمسه إلا المطهرون . فـ "لا" هنا نافية لوقوع الفعل. وليست ناهية. وفي الأرض يمس هذا القرآن الطاهر والنجس. والمؤمن والكافر، فلا يتحقق النفي على هذا الوجه. إنما يتحقق بصرف المعنى إلى تلك الملابسة. ملابسة قولهم: تنزلت به الشياطين. ونفي هذا الزعم إذ لا يمسه في كتابه السماوي المكنون إلا المطهرون..

                                                                                                                                                                                                                                      ومما يؤيد هذا الاتجاه قوله تعالى بعد هذا: تنزيل من رب العالمين .. لا تنزيل من الشياطين!

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي حديثان يقرران معنى آخر. وهو أن لا يمس القرآن إلا طاهر.. ولكن ابن كثير قال عنهما:

                                                                                                                                                                                                                                      "وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره. ومثل هذا لا ينبغي الأخذ به. وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمر وعثمان بن أبي العاص. وفي إسناد كل منهما نظر والله أعلم".

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة.. لحظة الموت.. اللمسة التي ترجف لها الأوصال. واللحظة التي تنهي كل جدال. واللحظة التي يقف فيها الحي بين نهاية طريق وبداية طريق. حيث لا يملك الرجوع ولا يملك النكوص:

                                                                                                                                                                                                                                      أفبهذا الحديث أنتم مدهنون؟ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون. فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون. ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون. فلولا إن كنتم غير مدينين. ترجعونها إن كنتم صادقين ..

                                                                                                                                                                                                                                      أفأنتم شاكون في هذا الحديث الذي يقال لكم عن النشأة الآخرة; مكذبون بالقرآن وما يقصه عليكم من شأن الآخرة، وما يقرره لكم من أمور العقيدة؟ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون .. فإذا التكذيب هو رزقكم الذي تحصلون عليه في حياتكم وتدخرونه لآخرتكم؟ وما أسوأه من رزق!

                                                                                                                                                                                                                                      فماذا أنتم فاعلون إذ تبلغ الحلقوم، وتقفون في مفرق الطريق المجهول؟

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يصور الموقف التصوير القرآني الموحي، الذي يرسم ظلال الموقف كلها في لمسات سريعة ناطقة بكل ما فيه، وبكل ما وراءه، وبكل ما يوحيه.

                                                                                                                                                                                                                                      فلولا إذا بلغت الحلقوم. وأنتم حينئذ تنظرون. ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ..

                                                                                                                                                                                                                                      لنكاد نسمع صوت الحشرجة، ونبصر تقبض الملامح، ونحس الكرب والضيق من خلال قوله: فلولا إذا بلغت الحلقوم .. كما نكاد نبصر نظرة العجز وذهول اليأس في ملامح الحاضرين من خلال قوله: وأنتم حينئذ تنظرون ..

                                                                                                                                                                                                                                      هنا. في هذه اللحظة. وقد فرغت الروح من أمر الدنيا. وخلفت وراءها الأرض وما فيها. وهي تستقبل [ ص: 3472 ] عالما لا عهد لها به، ولا تملك من أمره شيئا إلا ما ادخرت من عمل، وما كسبت من خير أو شر.

                                                                                                                                                                                                                                      هنا. وهي ترى ولا تملك الحديث عما ترى. وقد انفصلت عمن حولها وما حولها. الجسد هو الذي يراه الناظرون. ولكنهم ينظرون ولا يرون ما يجري ولا يملكون من الأمر شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      هنا تقف قدرة البشر، ويقف علم البشر، وينتهي مجال البشر.

                                                                                                                                                                                                                                      هنا يعرفون - ولا يجادلون - أنهم عجزة عجزة. قاصرون قاصرون.

                                                                                                                                                                                                                                      هنا يسدل الستار دون الرؤية. ودون المعرفة. ودون الحركة.

                                                                                                                                                                                                                                      هنا تتفرد القدرة الإلهية، والعلم الإلهي. ويخلص الأمر كله لله بلا شائبة ولا شبهة ولا جدال ولا محال:

                                                                                                                                                                                                                                      ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون !

                                                                                                                                                                                                                                      وهنا يجلل الموقف جلال الله، ورهبة حضوره - سبحانه وتعالى - وهو حاضر في كل وقت. ولكن التعبير يوقظ الشعور بهذه الحقيقة التي يغفل عنها البشر. فإذا مجلس الموت تجلله رهبة الحضور وجلاله. فوق ما فيه من عجز ورهبة وانقطاع ووداع.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي ظل هذه المشاعر الراجفة الواجفة الآسية الآسفة يجيء التحدي الذي يقطع كل قول وينهي كل جدال:

                                                                                                                                                                                                                                      فلولا إن كنتم غير مدينين: ترجعونها إن كنتم صادقين!

                                                                                                                                                                                                                                      فلو كان الأمر كما تقولون: إنه لا حساب ولا جزاء. فأنتم إذن طلقاء غير مدينين ولا محاسبين. فدونكم إذن فلترجعوها - وقد بلغت الحلقوم - لتردوها عما هي ذاهبة إليه من حساب وجزاء. وأنتم حولها تنظرون. وهي ماضية إلى الدينونة الكبرى وأنتم ساكنون عاجزون!

                                                                                                                                                                                                                                      هنا تسقط كل تعلة. وتنقطع كل حجة. ويبطل كل محال. وينتهي كل جدال. ويثقل ضغط هذه الحقيقة على الكيان البشري، فلا يصمد له، إلا وهو يكابر بلا حجة ولا دليل!

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يمضي السياق في بيان مصير هذه الروح الذي يتراءى لها من بعيد حين تبلغ الحلقوم، وتستدبر الحياة الفانية، وتستقبل الحياة الباقية. وتمضي إلى الدينونة التي يكذب بها المكذبون:

                                                                                                                                                                                                                                      فأما إن كان من المقربين، فروح وريحان وجنت نعيم. وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك من أصحاب اليمين. وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزل من حميم. وتصلية جحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد مرت بنا في أول السورة صور من نعيم المقربين. فالروح هنا ترى علائم هذا النعيم الذي ينتظرها:

                                                                                                                                                                                                                                      روح وريحان وجنة نعيم. والألفاظ ذاتها تقطر رقة ونداوة. وتلقي ظلال الراحة الحلوة، والنعيم اللين والأنس الكريم.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما إن كان من أصحاب اليمين .. فيلتفت بالخطاب إليه.. يبلغه سلام إخوانه من أصحاب اليمين. وما أندى السلام ساعتئذ وما أحبه. حين يتلقاه وقد بلغت الحلقوم! فيطمئن باله ويشعر بالأنس في الصحبة المقبلة مع أصحاب اليمين.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما إن كان من المكذبين الضالين. فنزل من حميم. وتصلية جحيم .. وما أسوأه نزلا ومثوى ذلك الحميم [ ص: 3473 ] الساخن. وما أشده عذابا ذلك الجحيم، يتراءى له ويعلم أنه ملاقيه عن يقين!

                                                                                                                                                                                                                                      والآن وقد بلغ الموقف ذروته تجيء الخاتمة في إيقاع عميق رزين:

                                                                                                                                                                                                                                      إن هذا لهو حق اليقين. فسبح باسم ربك العظيم ..

                                                                                                                                                                                                                                      فتلتقي رجاحة اليقين وثقله في ميزان الحق، بالواقعة التي بدأت بها السورة. وتختم بما يوحيه هذا اليقين الثابت الجازم من اتجاه إلى الله بالتسبيح والتعظيم..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية