الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ويختم هذا الدرس الذي بدأه بالإشارة إلى الذين يستكبرون ويمكرون.. ينتهي بلمسة وجدانية بعد لمسة: أولاهما للتخويف من مكر الله الذي لا يأمنه أحد في ساعة من ليل أو نهار. والثانية لمشاركة هذا الوجود في عبادة الله وتسبيحه. فليس إلا الإنسان هو الذي يستكبر ويمكر، وكل ما حوله يحمد ويسبح.

                                                                                                                                                                                                                                      أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون؟ أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين؟ أو يأخذهم على تخوف؟ فإن ربكم لرءوف رحيم. أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون؟ ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة، والملائكة، وهم لا يستكبرون، يخافون ربهم من فوقهم. ويفعلون ما يؤمرون ..

                                                                                                                                                                                                                                      وأعجب العجب في البشر أن يد الله تعمل من حولهم، وتأخذ بعضهم أخذ عزيز مقتدر، فلا يغني عنهم مكرهم وتدبيرهم، ولا تدفع عنهم قوتهم وعلمهم ومالهم.. وبعد ذلك يظل الذين يمكرون يمكرون، ويظل الناجون آمنين لا يتوقعون أن يؤخذوا كما أخذ من قبلهم ومن حولهم، ولا يخشون أن تمتد إليهم يد الله في صحوهم أو في منامهم، في غفلتهم أو في استيقاظهم والقرآن الكريم يلمس وجدانهم من هذا الجانب ليثير حساسيتهم للخطر المتوقع، الذي لا يغفل عنه إلا الخاسرون:

                                                                                                                                                                                                                                      أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ؟.

                                                                                                                                                                                                                                      أو يأخذهم وهم يتقلبون في البلاد، من بلد إلى بلد للتجارة والسياحة، فما هم بمعجزين لله، ولا يبعد عليه مكانهم في حل أو ترحال. أو يأخذهم على تخوف فإن يقظتهم وتوقعهم لا يرد يد الله عنهم فهو قادر على أخذهم وهم متأهبون قدرته على أخذهم وهم لا يشعرون؟ ولكن الله رؤوف رحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      أفأمن الذين مكروا السيئات أن يأخذهم الله؟ فهم لاجون في مكرهم سادرون في غيبهم لا يثوبون ولا يتقون.

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك والكون من حولهم بنواميسه وظواهره يوحي بالإيمان. ويوحي بالخشوع: أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ..

                                                                                                                                                                                                                                      ومشهد الظلال تمتد وتتراجع، تثبت وتتمايل، مشهد موح لمن يفتح قلبه، ويوقظ حسه، ويتجاوب مع الكون حوله.

                                                                                                                                                                                                                                      والسياق القرآني يعبر عن خضوع الأشياء لنواميس الله بالسجود - وهو أقصى مظاهر الخضوع - ويوجه إلى حركة الظلال المتفيئة - أي: الراجعة بعد امتداد - وهي حركة لطيفة خفية ذات دبيب في المشاعر وئيد عميق. ويرسم المخلوقات داخرة أي خاضعة خاشعة طائعة. ويضم إليها ما في السماوات وما في الأرض من [ ص: 2174 ] دابة. ويضيف إلى الحشد الكوني.. الملائكة، فإذا مشهد عجيب من الأشياء والظلال والدواب. ومعهم الملائكة. في مقام خشوع وخضوع وعبادة وسجود. لا يستكبرون عن عبادة الله، ولا يخالفون عن أمره. والمنكرون المستكبرون من بني الإنسان وحدهم شواذ في هذا المقام العجيب.

                                                                                                                                                                                                                                      وبهذا المشهد يختم الدرس الذي بدأ بالإشارة إلى المنكرين المستكبرين، ليفردهم في النهاية بالإنكار والاستكبار في مشهد الوجود ...

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية