الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، والقانتين والقانتات، والصادقين والصادقات، والصابرين والصابرات، والخاشعين والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين الله كثيرا والذاكرات.. أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الصفات الكثيرة التي جمعت في هذه الآية تتعاون في تكوين النفس المسلمة. فهي الإسلام، والإيمان، [ ص: 2863 ] والقنوت، والصدق، والصبر، والخشوع، والتصدق، والصوم، وحفظ الفروج، وذكر الله كثيرا.. ولكل منها قيمته في بناء الشخصية المسلمة.

                                                                                                                                                                                                                                      والإسلام: الاستسلام، والإيمان التصديق. وبينهما صلة وثيقة أو أن أحدهما هو الوجه الثاني للآخر. فالاستسلام إنما هو مقتضى التصديق. والتصديق الحق ينشأ عنه الاستسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      والقنوت: الطاعة الناشئة من الإسلام والإيمان، عن رضى داخلي لا عن إكراه خارجي.

                                                                                                                                                                                                                                      والصدق: هو الصفة التي يخرج من لا يتصف بها من صفوف الأمة المسلمة لقوله تعالى: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله فالكاذب مطرود من الصف. صف هذه الأمة الصادقة.

                                                                                                                                                                                                                                      والصبر: هو الصفة التي لا يستطيع المسلم حمل عقيدته والقيام بتكاليفها إلا بها. وهي تحتاج إلى الصبر في كل خطوة من خطواتها. الصبر على شهوات النفس، وعلى مشاق الدعوة، وعلى أذى الناس. وعلى التواء النفوس وضعفها وانحرافها وتلونها. وعلى الابتلاء والامتحان والفتنة. وعلى السراء والضراء، والصبر على كلتيهما شاق عسر.

                                                                                                                                                                                                                                      والخشوع: صفة القلب والجوارح الدالة على تأثر القلب بجلال الله، واستشعار هيبته وتقواه.

                                                                                                                                                                                                                                      والتصدق: وهو دلالة التطهر من شح النفس، والشعور بمرحمة الناس، والتكافل في الجماعة المسلمة. والوفاء بحق المال. وشكر المنعم على العطاء.

                                                                                                                                                                                                                                      والصوم: والنص يجعله صفة من الصفات إشارة إلى اطراده وانتظامه. وهو استعلاء على الضرورات، وصبر عن الحاجات الأولية للحياة. وتقرير للإرادة، وتوكيد لغلبة الإنسان في هذا الكائن البشري على الحيوان.

                                                                                                                                                                                                                                      وحفظ الفرج: وما فيه من تطهر، وضبط لأعنف ميل وأعمقه في تركيب كيان الإنسان، وسيطرة على الدفعة التي لا يسيطر عليها إلا تقي يدركه عون الله. وتنظيم للعلاقات، واستهداف لما هو أرفع من فورة اللحم والدم في التقاء الرجل والمرأة، وإخضاع هذا الالتقاء لشريعة الله، وللحكمة العليا من خلق الجنسين في عمارة الأرض وترقية الحياة.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الله كثيرا: وهو حلقة الاتصال بين نشاط الإنسان كله وعقيدته في الله. واستشعار القلب لله في كل لحظة; فلا ينفصل بخاطر ولا حركة عن العروة الوثقى. وإشراق القلب ببشاشة الذكر، الذي يسكب فيه النور والحياة.

                                                                                                                                                                                                                                      هؤلاء الذين تتجمع فيهم هذه الصفات، المتعاونة في بناء الشخصية المسلمة الكاملة.. هؤلاء أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا يعمم النص في الحديث عن صفة المسلم والمسلمة ومقومات شخصيتهما، بعد ما خصص نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول هذا الشوط من السورة. وتذكر المرأة في الآية بجانب الرجل كطرف من عمل الإسلام في رفع قيمة المرأة، وترقية النظرة إليها في المجتمع، وإعطائها مكانها إلى جانب الرجل فيما هما فيه سواء من العلاقة بالله; ومن تكاليف هذه العقيدة في التطهر والعبادة والسلوك القويم في الحياة..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية