الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      111- وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك في الألوهية ولم يكن له ولي ينصره من أجل الذل أي: لم يذل فيحتاج إلى ناصر وكبره تكبيرا عظمه عظمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به، وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرده في صفاته، وروى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ الجهني عن رسول

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 294 ] الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: آية العز الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك إلى آخر السورة، والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال مؤلفه هذا آخر ما كملت به تفسير القرآن الكريم الذي ألفه الشيخ الإمام العالم المحقق جلال الدين المحلي الشافعي رضي الله عنه وقد أفرغت جهدي وبذلت فكري فيه في نفائس أراها إن شاء الله تعالى تجدي، وألفته في مدة قدر ميعاد الكليم، وجعلته وسيلة للفوز بجنات النعيم، وهو في الحقيقة مستفاد من الكتاب المكمل، وعليه في الآي المتشابهة الاعتماد والمعول، فرحم الله امرءا نظر بعين الإنصاف إليه، ووقف فيه على خطأ فأطلعني عليه وقد قلت :

                                                                                                                                                                                                                                      حمدت الله ربي إذ هداني لما أبديت مع عجزي وضعفي     فمن لي بالخطأ فأرد عنه
                                                                                                                                                                                                                                      ومن لي بالقبول ولو بحرف



                                                                                                                                                                                                                                      هذا ولم يكن قط في خلدي أن أتعرض لذلك لعلمي بالعجز عن الخوض في هذه المسالك وعسى الله أن ينفع به نفعا جما ويفتح به قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما، وكأني بمن اعتاد المطولات وقد أضرب عن هذه التكملة، وأصلها حسما وعدل إلى صريح العناد ولم يوجه إلى دقائقها فهما ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى رزقنا الله به هداية إلى سبيل الحق وتوفيقا واطلاعا على دقائق كلماته وتحقيقا وجعلنا به مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وفرغ من تأليفه يوم الأحد عاشر شوال سنة سبعين وثمانمائة، وكان الابتداء في يوم الأربعاء مستهل رمضان من السنة المذكورة، وفرغ من تبييضه يوم الأربعاء سادس صفر سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الخطيب الطوخي: أخبرني صديقي الشيخ العلامة كمال الدين المحلي أخو شيخنا الشيخ جلال الدين المحلي - رحمهما الله تعالى - أنه رأى أخاه الشيخ جلال الدين المذكور في النوم، وبين يديه صديقنا الشيخ العلامة المحقق جلال الدين السيوطي مصنف هذه التكملة، وقد أخذ الشيخ هذه التكملة في يده وتصفحها ويقول لمصنفها المذكور أيهما أحسن وضعي أو وضعك؟ فقال: وضعي، فقال: انظر وعرض عليه مواضع فيها وكأنه يشير إلى اعتراض فيها بلطف، ومصنف هذه التكملة كلما أورد عليه شيئا يجيبه والشيخ يبتسم ويضحك، قال شيخنا الإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي مصنف هذه التكملة: الذي أعتقده وأجزم به أن الوضع الذي وضعه الشيخ جلال الدين المحلي رحمه الله تعالى في قطعته أحسن من وضعي أنا بطبقات كثيرة، كيف وغالب ما وضعته هنا مقتبس من وضعه ومستفاد منه لا مرية عندي في ذلك، وأما الذي رؤي في المنام المكتوب أعلاه فلعل الشيخ أشار به إلى المواضع القليلة التي خالفت وضعه فيها لنكتة وهي يسيرة جدا ما أظنها تبلغ عشرة مواضع منها أن الشيخ قال في سورة ص والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان بنفوذه فيه، وكنت تبعته أولا فذكرت هذا الحد في سورة الحجر، ثم ضربت عليه لقوله تعالى

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 295 ] ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي الآية فهي صريحة أو كالصريحة في أن الروح من علم الله تعالى لا نعلمه فالإمساك عن تعريفها أولى، ولذا قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في جمع الجوامع: والروح لم يتكلم عليها محمد - صلى الله عليه وسلم - فنمسك عنها.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنها أن الشيخ قال في سورة الحج: الصابئون فرقة من اليهود فذكرت ذلك في سورة البقرة وزدت أو النصارى بيانا لقول ثان. فإنه المعروف خصوصا عند أصحابنا الفقهاء، وفي المنهاج: وإن خالفت السامرة اليهود والصابئة النصارى في أصل دينهم، وفي شرحه أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن الصابئين فرقة من النصارى، ولا أستحضر الآن موضعا ثالثا فكأن الشيخ رحمه الله تعالى يشير إلى مثل هذا، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية