الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب تحريم الميسر

قال الله (تعالى): يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ؛ قال أبو بكر : دلالته [ ص: 11 ] على تحريم الميسر كهي على ما تقدم من بيانه؛ ويقال: إن اسم الميسر في أصل اللغة إنما هو للتجزئة؛ وكل ما جزأته فقد يسرته؛ يقال: للجازر "الياسر"; لأنه يجزئ الجزور؛ والميسر الجزور نفسه؛ إذا تجزى؛ وكانوا ينحرون جزورا؛ ويجعلونه أقساما يتقامرون عليها بالقداح؛ على عادة لهم في ذلك؛ فكل من خرج له قدح نظروا إلى ما عليه من السمة؛ فيحكمون له بما يقتضيه أسماء القداح؛ فسمي على هذا سائر ضروب القمار "ميسرا"؛ وقال ابن عباس ؛ وقتادة ؛ ومعاوية بن صالح؛ وعطاء ؛ وطاوس ؛ ومجاهد : "الميسر القمار". وقال عطاء ؛ وطاوس ؛ ومجاهد : "حتى لعب الصبيان بالكعاب؛ والجوز".

وروي عن علي بن زيد ؛ عن القاسم ؛ عن أبي أمامة ؛ عن أبي موسى ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التي يزجر بها زجرا؛ فإنها من الميسر .

وروى سعيد بن أبي هند؛ عن أبي موسى ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله .

وروى حماد بن سلمة ؛ عن قتادة ؛ عن حلاس أن رجلا قال لرجل: إن أكلت كذا وكذا بيضة فلك كذا وكذا؛ فارتفعا إلى علي ؛ فقال: "هذا قمار"؛ ولم يجزه؛ ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم القمار؛ وأن المخاطرة من القمار؛ قال ابن عباس : إن المخاطرة قمار؛ وإن أهل الجاهلية كانوا يخاطرون على المال؛ والزوجة؛ وقد كان ذلك مباحا إلى أن ورد تحريمه؛ وقد خاطر أبو بكر الصديق المشركين حين نزلت الـم غلبت الروم ؛ وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "زد في الخطر؛ وأبعد في الأجل"؛ ثم حظر ذلك؛ ونسخ بتحريم القمار؛ ولا خلاف في حظره؛ إلا ما رخص فيه من الرهان في السبق في الدواب؛ والإبل؛ والنصال ؛ إذا كان الذي يستحق واحدا إن سبق؛ ولا يستحق الآخر إن سبق؛ وإن شرط أن من سبق منهما أخذ؛ ومن سبق أعطى؛ فهذا باطل؛ فإن أدخلا بينهما رجلا إن سبق استحق؛ وإن سبق لم يعط؛ فهذا جائز؛ وهذا الدخيل الذي سماه النبي - صلى الله عليه وسلم – "محللا"؛ وقد روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا سبق إلا في خف؛ أو حافر؛ أو نصل"؛ وروى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سابق بين الخيل؛ وإنما خص ذلك لأن فيه رياضة للخيل؛ وتدريبا لها على الركض؛ وفيه استظهار وقوة على العدو؛ قال الله (تعالى): وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ؛ روي أنها الرمي؛ ومن رباط الخيل ؛ فظاهر قوله: ومن رباط الخيل ؛ يقتضي جواز السبق بها؛ لما فيه من القوة على العدو؛ وكذلك الرمي.

وما ذكره الله (تعالى) من تحريم الميسر ؛ وهو القمار؛ يوجب تحريم القرعة في العبيد؛ يعتقهم المريض ثم يموت؛ لما فيه من القمار؛ وإحقاق بعض؛ وإنجاح بعض؛ وهذا هو معنى [ ص: 12 ] القمار بعينه؛ وليست القرعة في القسمة كذلك; لأن كل واحد يستوفي نصيبه؛ لا يحقق واحد منهم؛ والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية