الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب فرض الحج

قال الله (تعالى): ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ؛ قال أبو بكر : هذا ظاهر في إيجاب فرض الحج؛ على شريطة وجود السبيل إليه ؛ والذي يقتضيه من حكم السبيل أن كل من أمكنه الوصول إلى الحج لزمه ذلك؛ إذ كانت استطاعة السبيل إليه هي إمكان الوصول إليه؛ كقوله (تعالى): فهل إلى خروج من سبيل ؛ يعني: "من وصول"؛ و هل إلى مرد من سبيل ؛ يعني: "من وصول"؛ وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من شرط استطاعة السبيل إليه وجود الزاد والراحلة ؛ وروى أبو إسحاق عن الحارث ؛ عن علي ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من ملك [ ص: 308 ] زادا؛ وراحلة تبلغه بيت الله؛ ولم يحج؛ فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا"؛ وذلك أن الله (تعالى) يقول في كتابه: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ؛ وروى إبراهيم بن يزيد الخوزي؛ عن محمد بن عباد ؛ عن ابن عمر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - عز وجل -: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ؛ قال: "السبيل إلى الحج الزاد والراحلة"؛ وروى يونس عن الحسن: لما نزلت هذه الآية: ولله على الناس حج البيت ؛ الآية؛ قال رجل: يا رسول الله; ما السبيل؟ قال: "زاد؛ وراحلة"؛ وروى عطاء الخراساني ؛ عن ابن عباس قال: "السبيل: الزاد والراحلة؛ ولم يحل بينه وبينه أحد"؛ وقال سعيد بن جبير : "هو الزاد والراحلة".

قال أبو بكر : فوجود الزاد والراحلة من السبيل الذي ذكره الله (تعالى)؛ ومن شرائط وجوب الحج؛ وليست الاستطاعة مقصورة على ذلك; لأن المريض الخائف؛ والشيخ الذي لا يثبت على الراحلة؛ والزمنى؛ وكل من تعذر عليه الوصول إليه؛ فهو غير مستطيع السبيل إلى الحج؛ وإن كان واجدا للزاد؛ والراحلة؛ فدل ذلك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد بقوله عن الاستطاعة: "الزاد والراحلة"؛ أن ذلك جميع شرائط الاستطاعة؛ وإنما أفاد ذلك بطلان قول من يقول: إن من أمكنه المشي إلى بيت الله (تعالى)؛ ولم يجد زادا وراحلة؛ فعليه الحج؛ فبين - صلى الله عليه وسلم - أن لزوم فرض الحج مخصوص بالركوب؛ دون المشي؛ وأن من لا يمكنه الوصول إليه إلا بالمشي الذي يشق ويعسر؛ فلا حج عليه.

فإن قيل: فينبغي ألا يلزم فرض الحج إلا من كان بينه وبين مكة مسافة ساعة؛ إذا لم يجد زادا وراحلة؛ وأمكنه المشي ؛ قيل له: إذا لم يلحقه في المشي مشقة شديدة فهذا أيسر أمرا من الواجد للزاد؛ والراحلة؛ إذا بعد وطنه من مكة؛ ومعلوم أن شرط الزاد والراحلة إنما هو لئلا يشق عليه؛ ويناله ما يضره من المشي؛ فإذا كان من أهل مكة؛ وما قرب منها؛ ممن لا يشق عليه المشي في ساعة من نهار؛ فهذا مستطيع للسبيل بلا مشقة؛ وإذا كان لا يصل إلى البيت إلا بالمشقة الشديدة فهو الذي خفف الله (تعالى) عنه؛ ولم يلزمه الفرض إلا على الشرط المذكور ببيان النبي - صلى الله عليه وسلم.

قال الله (تعالى): وما جعل عليكم في الدين من حرج ؛ يعني: "من ضيق"؛ وعندنا أن وجود المحرم للمرأة من شرائط الحج ؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي محرم؛ أو زوج"؛ وروى عمرو بن دينار ؛ عن أبي معبد؛ عن ابن عباس قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم"؛ فقال رجل: يا رسول الله؛ إني [ ص: 309 ] قد اكتتبت في غزوة كذا؛ وقد أرادت امرأتي أن تحج؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احجج مع امرأتك"؛ وهذا يدل على أن قوله: "لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم"؛ قد انتظم المرأة إذا أرادت الحج من ثلاثة أوجه؛ أحدها أن السائل عقل منه ذلك؛ ولذلك سأله عن امرأته وهي تريد الحج؛ ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك عليه؛ فدل على أن مراده - صلى الله عليه وسلم - عام في الحج؛ وغيره من الأسفار؛ والثاني: قوله: "احجج مع امرأتك"؛ وفي ذلك إخبار منه بإرادة سفر الحج؛ في قوله: "لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم"؛ والثالث أمره إياه بترك الغزو للحج مع امرأته؛ ولو جاز لها الحج بغير محرم؛ أو زوج؛ لما أمره بترك الغزو - وهو فرض - للتطوع؛ وفي هذا دليل أيضا على أن حج المرأة كان فرضا؛ ولم يكن تطوعا; لأنه لو كان تطوعا لما أمره بترك الغزو الذي هو فرض لتطوع المرأة؛ ومن وجه آخر؛ وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسأله عن حج المرأة: "أفرض هو أم نفل؟"؛ وفي ذلك دليل على تساوي حكمهما في امتناع خروجها بغير محرم؛ فثبت بذلك أن وجود المحرم للمرأة من شرائط الاستطاعة؛ ولا خلاف أن من شرط استطاعتها ألا تكون معتدة؛ لقوله (تعالى): لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة ؛ فلما كان ذلك معتبرا في الاستطاعة؛ وجب أن يكون نهيه للمرأة أن تسافر بغير محرم معتبرا فيها؛ ومن شرائطه ما ذكرنا من إمكان ثبوته على الراحلة؛ وذلك لما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا موسى بن الحسن بن أبي عباد قال: حدثنا محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي ؛ عن الزهري ؛ عن سليمان بن يسار ؛ عن ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فقالت: يا رسول الله; إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا؛ لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة؛ أفأحج عنه؟ قال: "نعم؛ حجي عن أبيك"؛ فأجاز - صلى الله عليه وسلم - للمرأة أن تحج عن أبيها ؛ ولم يلزم الرجل الحج بنفسه؛ فثبت بذلك أن من شرط الاستطاعة إمكان الوصول إلى الحج؛ وهؤلاء - وإن لم يلزمهم الحج بأنفسهم إذا كانوا واجدين للزاد والراحلة - فإن عليهم أن يحجوا غيرهم عنهم؛ أعني المريض؛ والزمن؛ والمرأة؛ إذا حضرتهم الوفاة فعليهم أن يوصوا بالحج ؛ وذلك أن وجود ما يمكن به الوصول إلى الحج في ملكهم يلزمهم فرض الحج في أموالهم؛ إذا لم يمكنهم فعله بأنفسهم; لأن فرض الحج يتعلق بمعنيين؛ أحدهما: بوجود الزاد والراحلة؛ وإمكان فعله بنفسه؛ فعلى من كانت هذه صفته الخروج؛ والمعنى الآخر أن يتعذر فعله بنفسه لمرض؛ أو كبر سن؛ أو زمانة؛ أو [ ص: 310 ] لأنها امرأة لا محرم لها؛ ولا زوج يخرج معها؛ فهؤلاء يلزمهم الحج بأموالهم عند الإياس؛ والعجز عن فعله بأنفسهم؛ فإذا أحج المريض أو المرأة عن أنفسهما؛ ثم لم يبرإ المريض؛ ولم تجد المرأة محرما؛ حتى ماتا؛ أجزأهما؛ وإن برئ المريض؛ ووجدت المرأة محرما؛ لم يجزهما؛ وقول الخثعمية للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن أبي أدركته فريضة الله في الحج وهو شيخ كبير؛ لا يستمسك على الراحلة؛ وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بالحج عنه؛ يدل على أن فرض الحج قد لزمه في ماله؛ وإن لم يثبت على الراحلة ; لأنها أخبرته أن فريضة الله (تعالى) أدركته وهو شيخ كبير؛ فلم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قولها ذلك؛ فهذا يدل على أن فرض الحج قد لزمه في ماله؛ وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بفعل الحج؛ الذي أخبرت أنه قد لزمه؛ يدل على لزومه أيضا.

وقد اختلف في حج الفقير ؛ فقال أصحابنا؛ والشافعي : "لا حج عليه؛ وإن حج أجزأه من حجة الإسلام"؛ وحكي عن مالك أن عليه الحج إذا أمكنه المشي؛ وروي عن ابن الزبير ؛ والحسن أن الاستطاعة ما تبلغه؛ كائنا ما كان؛ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستطاعة: "الزاد والراحلة"؛ يدل على أن لا حج عليه؛ فإن هو وصل إلى البيت مشيا فقد صار بحصوله هناك مستطيعا؛ بمنزلة أهل مكة; لأنه معلوم أن شرط الزاد والراحلة إنما هو لمن بعد من مكة؛ فإذا حصل هناك فقد استغنى عن الزاد والراحلة للوصول إليه؛ فيلزمه الحج حينئذ؛ فإذا فعله كان فاعلا فرضا؛ واختلف في العبد إذا حج؛ هل يجزيه من حجة الإسلام ؛ فقال أصحابنا: "لا يجزيه"؛ وقال الشافعي : "يجزيه"؛ والدليل على صحة قولنا ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هلال بن عبد الله ؛ مولى ربيعة بن سليم؛ قال: حدثنا أبو إسحاق عن الحارث ؛ عن علي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله؛ ثم لم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا؛ أو نصرانيا"؛ وذلك أن الله (تعالى) يقول: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ؛ فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن شرط لزوم الحج ملك الزاد والراحلة؛ والعبد لا يملك شيئا؛ فليس هو إذا من أهل الخطاب بالحج؛ وسائر الأخبار المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاستطاعة أنها الزاد والراحلة؛ هي على ملكهما؛ على ما بين في حديث علي - رضي الله عنه -؛ وأيضا فمعلوم من مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - في شرطه الزاد والراحلة أن يكونا ملكا للمستطيع؛ وأنه لم يرد به زادا وراحلة في ملك غيره؛ وإذا كان العبد لا يملك بحال؛ لم يكن من أهل الخطاب بالحج؛ فلم يجزه حجه؛ فإن قيل: [ ص: 311 ] ليس الفقير من أهل الخطاب بالحج؛ لعدم ملك الزاد والراحلة؛ ولو حج جاز حجه؛ كذلك العبد؛ قيل له: إن الفقير من أهل الخطاب؛ لأنه ممن يملك؛ والعبد ممن لا يملك؛ وإنما سقط الفرض عن الفقير لأنه غير واجد؛ لا لأنه ليس ممن يملك؛ فإذا وصل إلى مكة فقد استغنى عن الزاد والراحلة؛ وصار بمنزلة سائر الواجدين الواصلين إليها بالزاد والراحلة؛ والعبد إنما سقط عنه الخطاب به؛ لا لأنه لا يجد؛ لكن لأنه لا يملك؛ وإن ملك فلم يدخل في خطاب الحج؛ فلذلك لم يجزه؛ وصار من هذا الوجه بمنزلة الصغير الذي لم يخاطب بالحج؛ لا لأنه لا يجد؛ ولكنه ليس من أهل الخطاب بالحج لأن من شرط الخطاب به أن يكون ممن يملك؛ كما أن من شرطه أن يكون ممن يصح خطابه به؛ وأيضا فإن العبد لا يملك منافعه؛ وللمولى منعه من الحج بالاتفاق؛ ومنافع العبد هي ملك للمولى؛ فإذا فعل بها الحج صار كحج فعله المولى؛ فلا يجزيه من حجة الإسلام؛ ويدل عليه - أن العبد لا يملك منافعه - أن المولى هو المستحق لأبدالها إذا صارت مالا؛ وأن له أن يستخدمه؛ ويمنعه من الحج؛ فإذا أذن له فيه صار معيرا له ملك المنافع؛ فهي متلفة على ملك المولى؛ فلا يجزئ العبد؛ وليس كذلك الفقير; لأنه يملك منافع نفسه؛ وإذا فعل بها الحج أجزأه; لأنه قد صار من أهل الاستطاعة.

فإن قيل: للمولى منع العبد من الجمعة ؛ وليس العبد من أهل الخطاب بها؛ وليس عليه فرضها؛ ولو حضرها وصلاها أجزأته؛ فهلا كان الحج كذلك؟ قيل له: إن فرض الظهر قائم على العبد؛ ليس للمولى منعه منه؛ فمتى فعل الجمعة فقد أسقط بها فرض الظهر الذي كان العبد يملك فعله من غير إذن المولى؛ فصار كفاعل الظهر؛ فلذلك أجزأه؛ ولم يكن على العبد فرض آخر يملك فعله فأسقط بفعل الحج؛ حتى نحكم بجوازه؛ ونجعله في حكم ما هو مالكه؛ فلذلك اختلفا؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حج العبد - ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا يحيى بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن أيوب؛ عن حرام بن عثمان ؛ عن ابني جابر ؛ عن أبيهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن صبيا حج عشر حجج؛ ثم بلغ؛ لكانت عليه حجة؛ إن استطاع إليها سبيلا؛ ولو أن أعرابيا حج عشر حجج؛ ثم هاجر؛ لكانت عليه حجة؛ إن استطاع إليها سبيلا؛ ولو أن مملوكا حج عشر حجج؛ ثم أعتق؛ لكانت عليه حجة؛ إن استطاع إليها سبيلا"؛ وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا موسى بن الحسن بن أبي عباد قال: حدثنا محمد بن المنهال قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا شعبة ؛ عن الأعمش ؛ عن أبي ظبيان ؛ عن ابن عباس قال: قال [ ص: 312 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما صبي حج؛ ثم أدرك الحلم؛ فعليه أن يحج حجة أخرى؛ وأيما أعرابي حج؛ ثم هاجر؛ فعليه أن يحج حجة أخرى؛ وأيما عبد حج؛ ثم أعتق؛ فعليه أن يحج حجة أخرى"؛ فأوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - على العبد أن يحج حجة أخرى؛ ولم يعتد له بالحجة التي فعلها في حال الرق؛ وجعله بمنزلة الصبي.

فإن قيل: فقد قال مثله في الأعرابي؛ وهو مع ذلك يجزيه الحجة المفعولة قبل الهجرة؛ قيل له: كذلك كان حكم الأعرابي في حال ما كانت الهجرة فرضا; لأنه يمتنع أن يقول ذلك بعد نسخ فرض الهجرة؛ فلما قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح"؛ نسخ الحكم المتعلق به؛ من وجوب إعادة الحج بعد الهجرة؛ إذ لا هجرة هناك واجبة؛ وقد روي نحو قولنا في حج العبد عن ابن عباس ؛ والحسن ؛ وعطاء .

قال أبو بكر : والذي يقتضيه ظاهر قوله (تعالى): ولله على الناس حج البيت ؛ حجة واحدة؛ إذ ليس فيه ما يوجب تكرارا؛ فمتى فعل الحج فقد قضى عهدة الآية؛ وقد أكد ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا زهير بن حرب؛ وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا يزيد بن هارون ؛ عن سفيان بن حسين ؛ عن الزهري ؛ عن أبي سنان: قال أبو داود - هو الدؤلي - عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله; الحج في كل سنة؛ أو مرة واحدة ؛ فقال: "بل مرة واحدة؛ فمن زاد فتطوع.

قوله (تعالى): ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ؛ روى وكيع عن فطر بن خليفة؛ عن نفيع؛ أبي داود؛ قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: ومن كفر ؛ قال: "هو إن حج لا يرجو ثوابه؛ وإن حبس لا يخاف عقابه"؛ وروى مجاهد من قوله مثله؛ وقال الحسن: "من كفر بالحج"؛ وقد دلت هذه الآية على بطلان مذهب أهل الجبر ; لأن الله (تعالى) جعل من وجد زادا وراحلة مستطيعا للحج قبل فعله؛ ومن مذهب هؤلاء أن من لم يفعل الحج لم يكن مستطيعا له قط؛ فواجب على مذهبهم أن يكون معذورا غير ملزم؛ إذا لم يحج؛ إذ كان الله (تعالى) إنما ألزم الحج من استطاع؛ وهو لم يكن مستطيعا قط؛ إذ لم يحج؛ ففي نص التنزيل؛ واتفاق الأمة على لزوم فرض الحج - لمن كان وصفه ما ذكرنا؛ من صحة البدن؛ ووجود الزاد والراحلة - ما يوجب بطلان قولهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية