الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 328 ] قوله (تعالى): ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم ؛ قال طلحة ؛ وعبد الرحمن بن عوف ؛ والزبير بن العوام ؛ وقتادة ؛ والربيع بن أنس : "كان ذلك يوم أحد؛ بعد هزيمة من انهزم من المسلمين؛ وتوعدهم المشركون بالرجوع؛ فكان من ثبت من المسلمين تحت الحجف متأهبين للقتال؛ فأنزل الله (تعالى) الأمنة على المؤمنين؛ فناموا؛ دون المنافقين الذين أرعبهم الخوف لسوء الظن؛ قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: فنمنا حتى اصطفقت الحجف من النعاس؛ ولم يصب المنافقين ذلك؛ بل أهمتهم أنفسهم؛ فقال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: سمعت - وأنا بين النائم واليقظان - معتب بن قشير؛ وناسا من المنافقين؛ يقولون: هل لنا من الأمر من شيء؛ وهذا من لطف الله (تعالى) للمؤمنين؛ وإظهار أعلام النبوة في مثل تلك الحال التي العدو فيها مطل عليهم؛ وقد انهزم عنهم كثير من أعوانهم؛ وقد قتلوا من قتلوا من المسلمين؛ فينامون؛ وهم مواجهون العدو؛ في الوقت الذي يطير فيه النعاس عمن شاهده ممن لا يقاتل؛ فكيف بمن حضر القتال والعدو قد أشرعوا فيهم الأسنة؛ وشهروا سيوفهم لقتلهم؛ واستئصالهم؟ وفي ذلك أعظم الدلائل؛ وأكبر الحجج في صحة نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه ؛ أحدها وقوع الأمنة مع استعلاء العدو؛ من غير مدد آتاهم؛ ولا نكاية في العدو؛ ولا انصرافهم عنهم؛ ولا قلة عددهم؛ فينزل الله (تعالى) على قلوبهم الأمنة؛ وذلك في أهل الإيمان واليقين خاصة؛ والثاني: وقوع النعاس عليهم في مثل تلك الحال التي يطير في مثلها النعاس عمن شاهدها؛ بعد الانصراف والرجوع؛ فكيف في حال المشاهدة وقصد العدو نحوهم لاستئصالهم؛ وقتلهم؟ والثالث تمييز المؤمنين من المنافقين؛ حتى خص المؤمنين بتلك الأمنة والنعاس؛ دون المنافقين؛ فكان المؤمنون في غاية الأمن والطمأنينة؛ والمنافقون في غاية الهلع؛ والخوف؛ والقلق؛ والاضطراب؛ فسبحان الله العزيز العليم؛ الذي لا يضيع أجر المحسنين.

التالي السابق


الخدمات العلمية