الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل قوله عز وجل : وجوهكم قال أبو بكر : قد قيل فيه : إن حد الوجه من قصاص الشعر إلى أصل الذقن إلى شحمة الأذن ، حكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن أبي سعيد البردعي ؛ ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى . وكذلك يقتضي ظاهر الاسم ؛ إذ كان إنما سمي وجها لظهوره ولأنه يواجه الشيء ويقابل به ؛ وهذا الذي ذكرناه من تحديد الوجه هو الذي يواجه الإنسان ويقابله من غيره .

فإن قيل : فينبغي أن يكون الأذنان من الوجه لهذا المعنى . قيل له : لا يجب ذلك ؛ لأن الأذنين تستران بالعمامة والقلنسوة ونحوهما كما يستر صدره ، وإن كان متى ظهر كان مواجها لمن يقابله . وهذا الذي ذكرنا من معنى الوجه يدل على أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين بالآية ؛ إذ ليس داخل الأنف والفم من الوجه ؛ إذ هما غير مواجهين لمن قابلهما . وإذا لم تقتض الآية إيجاب غسلهما وإنما اقتضت غسل ما واجهنا وقابلنا منه فمن قال بإيجاب المضمضة والاستنشاق فهو زائد في حكم الفرض ما ليس منه ، وهذا غير جائز لأنه يوجب نسخه .

فإن قيل : قول النبي صلى الله عليه وسلم : بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما وقوله صلى الله عليه وسلم حين توضأ مرة مرة : هذا وضوء لا يقبل [ ص: 341 ] الله الصلاة إلا به يوجب فرض المضمضة والاستنشاق . قيل له : أما الحديث الذي فيه أنه توضأ مرة مرة ثم قال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فإنه لم يذكر فيه أنه تمضمض فيه واستنشق ، وإنما ذكر فيه الوضوء فحسب ، والوضوء هو غسل الأعضاء المذكورة في كتاب الله تعالى ، وجائز أن لا يكون تمضمض واستنشق في ذلك الوضوء لأنه قصد به توقيفهم على المفروض الذي لا يجزي غيره ؛ فإذا لا دلالة في هذا الخبر على ما قال هذا القائل ، ولو ثبت أنه تمضمض واستنشق لم يجز أن يزاد في حكم الآية . وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما لا يجوز الاعتراض به على الآية في إثبات الزيادة ؛ لأنه غير جائز أن يزاد في حكم القرآن بخبر الواحد . وقد حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا أبو ميسرة محمد بن الحسن بن العلاء قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا يحيى بن ميمون بن عطاء قال : حدثنا ابن جريج عن عطاء قال : سئلت عائشة عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فيه ماء فتوضأ وكفأ على يديه مرة وغسل وجهه مرة وغسل ذراعيه مرة ومسح برأسه مرة وغسل قدميه مرة ، وقال : هذا الوضوء الذي افترض الله علينا ، ثم أعاد ذلك فقال : من ضاعف ضاعف الله له ، ثم أعاد الثالثة فقال : هذا وضوءنا معشر الأنبياء ، فمن زاد فقد أساء . فأخبرت بوضوئه من غير مضمضة ولا استنشاق ؛ لأنه قصد بيان المفروض منه ، ولو كان فرضا فيه لفعله .

التالي السابق


الخدمات العلمية