الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم . [ ص: 202 ] روي عن الحسن : خلقناكم ثم صورناكم يعني به آدم ؛ لأنه قال : ثم قلنا للملائكة وإنما قال ذلك بعد خلق آدم وتصويره ، وذلك كقوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور أي ميثاق آبائكم ورفعنا فوقهم الطور ، نحو قوله تعالى : فلم تقتلون أنبياء الله من قبل والمخاطبون بذلك في زمان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلوا الأنبياء وقيل : " ثم " راجع إلى صلة المخاطبة ، كأنه قال : ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة .

وحكي عن الأخفش : " ثم " هاهنا بمعنى الواو . وذكر الزجاج أن ذلك خطأ عند النحويين .

قال أبو بكر : ونظيره قوله تعالى : ثم الله شهيد على ما يفعلون ومعناه : والله شهيد . قوله تعالى : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب بنفس وروده غير محتاج إلى قرينة في إيجابه ؛ لأنه علق الذم بتركه الأمر المطلق . وقيل في قوله تعالى ألا تسجد إن " لا " هاهنا صلة مؤكدة .

وقيل إن معناه : ما دعاك إلى أن لا تسجد وما أحوجك ؟ وقيل في السجود لآدم وجهان :

أحدهما : التكرمة لأن الله قد امتن به على عباده وذكره بالنعمة فيه ، والثاني : أنه كان قبلة لهم كالكعبة .

قوله تعالى : فبما أغويتني قيل فيه : خيبتني ، كقول الشاعر :

ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

يعني : من يحب . وحكى لنا أبو عمر غلام ثعلب عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : يقال غوى الرجل يغوي غيا إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ، ومنه قوله تعالى : وعصى آدم ربه فغوى أي فسد عليه عيشه في الجنة ؛ قال : ويقال غوى الفصيل إذا لم يرو من لبن أمه . وقيل في أغويتني أي حكمت بغوايتي ، كقولك أضللتني أي حكمت بضلالتي . وقيل : أغويتني أي أهلكتني . فهذه الوجوه الثلاثة محتملة في إبليس .

وقوله تعالى : وعصى آدم ربه فغوى ويحتمل فساد أمره في الجنة ، وهو يرجع إلى معنى الخيبة ، ولا يحتمل الهلاك ولا الحكم بالغواية التي هي ضلال ؛ لأن أنبياء الله لا يجوز ذلك عليهم . قوله تعالى : ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم روي عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة والحكم والسدي : من بين أيديهم ومن خلفهم من قبل دنياهم وآخرتهم ، من جهة حسناتهم وسيئاتهم . وقال مجاهد : من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون . وقيل : { من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم } . ولم يقل من فوقهم ، قال ابن عباس : لأن رحمة الله تنزل عليهم من فوقهم ، ولم يقل من تحت أرجلهم لأن الإتيان منه ممتنع إذا أريد به [ ص: 203 ] الحقيقة .

قوله تعالى : ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين قرن قربهما الشجرة ، إلا أنه معلوم شرط الذكر فيه وتعمد الأكل مع العلم به ؛ لأنه لا يؤاخذ بالنسيان والخطإ فيما لم يقم عليه دليل قاطع . ولم يكن أكلهما للشجرة معصية كبيرة بل كانت صغيرة من وجهين :

أحدهما : أنهما نسيا الوعيد وظنا أنه نهي استحباب لا إيجاب ، ولهذا قال : فنسي ولم نجد له عزما

والثاني : أنه أشير لهما إلى شجرة بعينها وظنا المراد العين وكان المراد الجنس ، كقوله صلى الله عليه وسلم حين أخذ ذهبا وحريرا فقال : هذان مهلكا أمتي وإنما أراد الجنس لا العين دون غيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية