الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من [ ص: 29 ] قبلكم : يدل على جواز نكاح الكتابيات، وقوله: ولا تنكحوا المشركات يمنع نكاح النصارى، فإذا لم يكن بد من إعمالها صار الشافعي إلى تحريم الأمة الكتابية، أخذا من قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات ، وأباح نكاح الحرة الكتابية بقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم .

والجمع بينهما أولى من تعطيل أحدهما. وقد منع مانعون من نكاح الكافرات، كتابيات كن أو مجوسيات، وحملوا قوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم المراد به: أنهن كن كتابيات ثم أسلمن. كما قال الله تعالى في آية أخرى: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم . وقوله تعالى:

ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل . الآية.

والمراد به: من كان من أهل الكتاب وأسلم . وقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فالمراد به: من كان من أهل الكتاب وأسلم. وهذا بعيد، فإنه تعالى قال: [ ص: 30 ] والمحصنات من المؤمنات .

وذلك يشتمل على جميع المؤمنات، فلا يجوز أن يعطف بعده المؤمنة على المؤمنة ويكون إسقاط فائدة ذكر المؤمنة.

والذي يحرم نكاح الحرة الكتابية يعتصم بقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، وذلك محمول عند مخالفهم على الحربية إذا خرج زوجها مسلما، والحربي وتخرج امرأته مسلمة، ويدل عليه قوله: واسألوا ما أنفقتم الآية.

وحكي عن ابن عباس أنه لم يجوز نكاح الكتابيات إذا كن حربيات، لقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية. وقال: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله . والنكاح يوجب المودة لقوله تعالى: خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .

ويجوز أن يكون ذلك عند مخالفتهم، على معنى التشدد عليهم فيما [ ص: 31 ] أوجبه الدين، وإلا فيجوز شراء الأشياء وبيعها منه، وإن كانت الهبة سبب المودة.

التالي السابق


الخدمات العلمية