الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من إمامته اتباع الناس له في حج البيت الذي شرفه الله ببنائه قال إثر ذلك ناعيا على أهل الكتاب مخالفته وترك دينه وموطئا لأمر القبلة : وإذ جعلنا البيت أي : الذي بناه إبراهيم بأم القرى مثابة للناس أي : مرجعا يرجعون إليه بكلياتهم . كلما تفرقوا عنه اشتاقوا إليه هم أو غيرهم آية على رجوعهم من الدنيا إلى ربهم . قال الحرالي : وهو مفعلة من الثوب وهو الرجوع تراميا إليه بالكلية . وفي صيغة المفعلة دوام المعاودة مثابرة وأمنا لكونه بيت الملك . [ ص: 153 ] من حرب الدنيا ومن عذاب الآخرة إلا في حق من استثناه الله من الكافرين فعلا بالشرك وقوة بالإلحاد ، والأمن براءة عيب من تطرق أذى إليه - قاله الحرالي . وقد كانوا في الجاهلية يرى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له . قال الأصبهاني : وهذا شيء توارثوه من زمن إسماعيل عليه السلام فقرأ عليه إلى أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، فاليوم من أصاب في الحرم جريرة أقيم عليه الحد بالإجماع .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : فتاب الناس عليه ائتماما ببانيه وآمنوا بدعوته فيه عطف عليه قوله : واتخذوا وعلى قراءة الأمر يكون التقدير : فتوبوا إليه أيها الناس ائتماما به واتخذوا من مقام إبراهيم خليلنا مصلى وهو مفعل لما تداوم فيه الصلاة ، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه حين جاء لزيارة ولده إسماعيل عليهما الصلاة والسلام فلم يجده ، فغسلت امرأة إسماعيل رأسه وهو معتمد برجله عليه وهو راكب ، غسلت شق رأسه [الأيمن ] وهو معتمد على الحجر برجله اليمنى ، ثم [ ص: 154 ] أدارت الحجر إلى الجانب الأيسر وغسلت شقه الأيسر ، فغاصت رجلاه فيه ; ولهذا أثر قدميه مختلف ، أصابع هذه عند عقب هذه ، وهو قبل أن يبني البيت - والله أعلم بمراده .

                                                                                                                                                                                                                                      وعهدنا عطف على قوله " جعلنا " إلى إبراهيم الوفي وإسماعيل ابنه الصادق الوعد ، وفي ذكره إفصاح بإجابة دعوته فيه في قوله : ومن ذريتي وإشارة إلى أن في ذريته من يختم الأمم بأمته ويكون استقباله بيته في أجل العبادات من شرعته وأتم الإشارة بقوله : أن طهرا بيتي أي : عن كل رجس حسي ومعنوي ، فلا يفعل بحضرته شيء لا يليق في الشرع ; والبيت موضع المبيت المخصوص من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد - قاله الحرالي . للطائفين به الذين فعلهم فعل العارف بأنه ليس وراء الله مرمى ولا مهرب منه إلا إليه والعاكفين فيه ، والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته والاقتصار عليه ، والطواف التحليق بالشيء في غيب أو لمعنى غيب - قاله الحرالي . والركع السجود [ ص: 155 ] قال الحرالي : وفي ذكر الركوع تخصيص للعرب الذين إنما شرع الركوع في دينهم ، وفي ذلك تبكيت لمن أخرج المؤمنين ومنعهم من البيت ، وفي تكرير تفصيل هذه الآيات بإذ تنبيه على توبيخهم بترك دينه وهو الخليل واتباع من لا يعلم وهو العدو .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية