الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما قدم الكلام على البعث، واستدل عليه بابتداء الخلق، ثم ذكر بعض أحواله، ثم عقبه بما ضرب لذلك وغيره من الأمثال، وصرف من وجوه الاستدلال، وختم ذلك بأنه يمهل عند المساءة، عقب ذلك بأنه كذلك يفعل عند المسرة، فلكل شيء عنده كتاب، وكل قضاء بقدر وحساب، فذكر قصة موسى مع الخضر عليهما السلام وما اتفق له في طلبه، وجعله سبحانه له الحوت آية وموعدا للقائه، ولو أراد سبحانه لقرب المدى ولم يحوج إلى عناء، مع ما فيها من الخارق الدال على البعث، ومن الدليل على أن من ثبت فضله [وعلمه -] لا يجوز أن يعترض عليه إلا من كان على ثقة مما يقوله من ربه ولا أن يمتحن، [ومن -]الإرشاد إلى ذم الجدل بغير علم، ووجوب الانقياد للحق عند بيانه، وظهور برهانه، ومن إرشاد من استنكف أن يجالس فقراء المؤمنين بما اتفق لموسى عليه السلام من أنه - وهو كليم الله - اتبع الخضر عليه السلام ليقتبس من علمه، ومن تبكيت اليهود بقولهم لقريش لما أمروهم بسؤال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "إن [ ص: 97 ] لم يخبركم فليس بنبي" الموهم للعرب الذين لا يعلمون شيئا أن من شرط النبي [أن لا -] يخفى عليه شيء، مع ما يعلمون من أن موسى عليه السلام خفي عليه جميع ما فعله الخضر عليه السلام، وإلى نحو هذا أشار الخضر عليه السلام بقوله إذ وقع العصفور على حرف السفينة ونقر من البحر نقرة أو نقرتين: "ما نقص علمي وعلمك يا موسى من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر. وبإعلامهم بما يعلمونه من أن موسى عليه السلام جعل نفسه تابعا للخضر عليه السلام، تكذيبا لهم في ادعائهم أنه ليس أحد أعلى من موسى عليه السلام في وصف من الأوصاف، وأنه لا ينبغي لأحد اتباع غيره، ومن جوابهم عما لعلهم يقولون للعرب بهتا وحسدا "لو كان نبيا ما قال: أخبركم غدا، وتأخر عن ذلك" بما اتفق لموسى في وعده الخضر عليهما السلام بالصبر، وبما خفي عليه مما اطلع عليه الخضر عليهما السلام، فقال تعالى عاطفا على قوله سبحانه وإذ قلنا للملائكة وإذ أي واذكر لهم حين قال موسى أي ابن عمران المرسل إلى بني إسرائيل، أي [قوله -]الذي كان في ذلك الحين "لفتاه" يوشع بن نون عليهما السلام: لا أبرح أي لا أزال سائرا في طلب العبد الذي أعلمني ربي بفضله - كما دل عليه ما يأتي حتى أبلغ مجمع البحرين [ ص: 98 ] أي ملتقاهما وموضع اختلاطهما الذي سبق إليه فهمي، فتعينت البداءة به فألقاه ثم أو أمضي حقبا إن لم أظفر بمجمع البحرين الذي جعله ربي موعدا [لي في لقائه -]; والحقب - قال في القاموس - ثمانون سنة أو أكثر والدهر والسنة أو السنون - انتهى. وما أنسب التوقيت بمجمع بحري الماء بمجمع بحري العلم وتزودهما بالنون الذي قرنه [الله -] بالقلم وما يسطرون، وعين الحياة لأن العلم حياة القلوب، فسارا وتزودا حوتا مشويا في مكتل كما أمرا به، فكانا يأكلان منه إلى أن بلغا المجمع

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية