الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبرهم بأنه ما أنزل لهم هذا الشرع على لسان هذا الرسول الرؤوف الرحيم إلا رحمة لهم، بعد أن حذرهم موارد الجهل، نهاهم عن التمادي فيه في سياق معلم أن الداعي إليه الشيطان العدو، فقال سارا لهم بالإقبال عليهم بالنداء: يا أيها الذين آمنوا أي أقروا بالإيمان لا تتبعوا أي بجهدكم خطوات أي طريق الشيطان أي لا تقتدوا به ولا تسلكوا مسالكه التي يحمل على سلوكها بتزيينها [ ص: 236 ] في شيء من الأشياء، وكأنه أشار بصيغة الافتعال إلى العفو عن الهفوات.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: فإنه من يتنكب عن طريقه يأت بالحسنى والمعروف، عطف عليه قوله: ومن يتبع أي بعزم ثابت من غير أن يكون مخطئا أو ناسيا; وأظهر ولم يضمر لزيادة التنفير فقال: خطوات الشيطان أي ويقتد به يقع في مهاوي الجهل الناشئ عنها كل شر فإنه أي الشيطان يأمر بالفحشاء وهي ما أغرق في القبح والمنكر وهو ما لم يجوزه الشرع، فهو أولا يقصد أعلى الضلال، فإن لم يصل تنزل إلى أدناه، وربما درج بغير ذلك، ومن المعلوم أن من اتبع من هذا سبيله عمل بعمله، فصار في غاية السفول، وهذا أشد في التنفير من إعادة الضمير في " فإنه " على " من " والله الموفق.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: فلولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان مع أمره بالقبائح، عطف عليه قوله: ولولا فضل الله أي ذي الجلال والإكرام عليكم أي بتطهير نفوسكم ورفعها عما تعشقه [ ص: 237 ] من الدنايا إلى المعالي ورحمته لكم بإكرامكم ورفعتكم بشرع التوبة المكفرة لما جر إليه الجهل من ناقص الأقوال وسفاف الأفعال ما زكا أي طهر ونما منكم وأكد الاستغراق بقوله: من أحد وعم الزمان بقوله: أبدا ولكن الله أي بجلاله وكماله يزكي أي يطهر وينمي من يشاء من عباده، من جميع أدناس نفسه وأمراض قلبه، وإن كان العباد وأخلاقهم في الانتشار والكثرة بحيث لا يحصيهم غيره، فلذلك زكى منكم من شاء فصانه عن هذا الإفك، وخذل من شاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ختم الآية بما لا تصح التزكية بدونه فقال: والله أي الذي له جميع صفات الكمال سميع أي لجميع أقوالهم عليم بكل ما يخطر في بالهم، وينشأ عن أحوالهم وأفعالهم، فهو خبير بمن هو أهل للتزكية ومن ليس بأهل لها، فاشكروا الله على تزكيته لكم من الخوض في مثل ما خاض فيه غيركم ممن خذله نوعا من الخذلان، واصبروا على ذلك منهم، ولا تقطعوا إحسانكم عنهم، فإن ذلك يكون زيادة في زكاتكم، وسببا لإقبال من علم فيه الخير منهم، فقبلت توبته، وغسلت حوبته، وهذا المراد [ ص: 238 ] من قوله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية