الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ختم سبحانه وتعالى بوصف العزة الدالة على الغلبة الدالة على كمال القدرة والحكمة المقتضي لوضع كل شيء في أحسن محاله وأكملها المستلزم لكمال العلم، تقديرا لما مر من التصوير وغيره، وكان هذا الكتاب أكمل مسموعات العباد لنزوله على وجه هو أعلى الوجوه، ونظمه على أسلوب أعجز الفصحاء وأبكم البلغاء إلى غير ذلك من الأمور الباهرة والأسرار الظاهرة، وعلى عبد هو أكمل الخلق; أعقب الوصفين بقوله بيانا لتمام علمه وشمول قدرته: هو أي وحده الذي ولما فصل أمر المنزل إلى المحكم والمتشابه نظر إليه جملة كما اقتضاه التعبير بالكتاب فعبر بالإنزال دون التنزيل فقال: أنـزل عليك أي خاصة الكتاب أي القرآن، وقصر الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا موضع الراسخين وهو رأسهم دلالة على أنه لا يفهم هذا حق فهمه من الخلق غيره. قال الحرالي: ولما كانت هذه السورة فيما اختصت به من علن أمر الله سبحانه وتعالى مناظرة بسورة البقرة فيما أنزلت من إظهار كتاب الله سبحانه وتعالى كان المنتظم بمنزل فاتحتها ما يناظر المنتظم بفاتحة سورة البقرة، فلما [ ص: 224 ] كانت سورة البقرة منزل كتاب [هو] الوحي انتظم بترجمتها الإعلام بأمر كتاب الخلق الذي هو القدر، فكما بين في أول سورة البقرة كتاب تقدير الذي قدره وكتبه في ذوات من مؤمن [وكافر] ومردد بينهما هو المنافق فتنزلت سورة كتاب للوحي إلى بيان قدر الكتاب الخلقي لذلك كان متنزل هذا الافتتاح الإلهي إلى أصل منزل الكتاب الوحي; ولما بين أمر الخلق أن منهم من فطره على الإيمان ومنهم من جبله على الكفر ومنهم من أناسه بين الخلقين، بين في الكتاب أن منه ما أنزله على الإحكام ومنه ما أنزله على الاشتباه; وفي إفهامه ما أنزله على الافتنان والإضلال بمنزلة ختم الكفار; انتهى فقال: منه آيات محكمات أي لا خفاء بها. قال الحرالي: وهي التي أبرم حكمها فلم ينبتر كما يبرم الحبل الذي يتخذ حكمة أي زماما يزم به الشيء الذي يخاف خروجه على الانضباط، كأن الآية المحكمة تحكم النفس عن جولانها وتمنعها من جماحها وتضبطها إلى محال مصالحها، ثم قال: فهي آي التعبد من الخلق للخلق [ ص: 225 ] اللائي لم يتغير حكمهن في كتاب من هذه الكتب الثلاث المذكورة، فهن لذلك أم. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإحكام في غاية البيان فكان في تكامله ورد بعض معانيه إلى بعض كالشيء الواحد، وكان رد المتشابه إليه في غاية السهولة لمن رسخ إيمانه وصح قصده واتسع علمه ليصير الكل شيئا واحدا أخبر عن الجمع بالمفرد فقال: هن أم الكتاب والأم الأمر الجامع الذي يؤم أي يقصد، وقال الحرالي: هي الأصل المقتبس منه الشيء في الروحانيات والنابت منه أو فيه في الجسمانيات وأخر أي منه متشابهات قال الحرالي: والتشابه تراد التشبه في ظاهر أمرين لشبه كل واحد منهما بالآخر بحيث يخفى خصوص كل واحد منهما; ثم قال: وهن الآي التي أخبر الحق سبحانه وتعالى فيهن عن نفسه وتنزلات تجلياته ووجوه إعانته لخلقه وتوفيقه وإجرائه ما أجرى من اقتداره وقدرته في بادئ [ ص: 226 ] ما أجراه عليهم، فهن لذلك متشبهات من حيث إن نبأ الحق عن نفسه لا تناله عقول الخلق، ولا تدركه أبصارهم، وتعرف لهم فيما تعرف بمثل أنفسهم، فكأن المحكم للعمل والمتشابه لظهور العجز، فكان لذلكحرف المحكم أثبت الحروف عملا، وحرف المتشابه أثبت الحروف إيمانا، واجتمعت على إقامته الكتب الثلاث، واختلفت في الأربع اختلافا كثيرا فاختلف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها، واتفق على محكمها ومتشابهها انتهى. فبين سبحانه وتعالى بهذا أنه كما يفعل الأفعال المتشابهة مثل تصوير عيسى عليه الصلاة والسلام من غير نطفة ذكر، مع إظهار الخوارق على يديه لتبين الراسخ في الدين من غيره كذلك يقول الأقوال المتشابهة، وأنه فعل في هذا الكتاب ما فعل في غيره من كتبه من تقسيم آياته إلى محكم ومتشابه ابتلاء لعباده ليبين فضل العلماء الراسخين الموقنين بأنه من عنده، وأن كل ما كان من عند الله سبحانه وتعالى فلا اختلاف فيه في نفس الأمر، لأن سبب الاختلاف الجهل أو العجز، وهو سبحانه وتعالى متعال جده منزه قدره عن شيء من ذلك، فبين فضلهم بأنهم يؤمنون به، ولا يزالون يستنصرون منه سبحانه وتعالى فتح المنغلق وبيان المشكل حتى يفتحه عليهم بما يرده إلى المحكم، وهذا على وجه يشير إلى المهمه الذي تاه [ ص: 227 ] فيه النصارى، والتيه الذي ضلوا فيه عن المنهج، واللج الذي أغرق جماعاتهم، وهو المتشابه الذي منه [أنهم زعموا] أن عيسى عليه الصلاة والسلام كان يقول له القائل: يا رب! افعل لي كذا ويسجد له، فيقره على ذلك ويجيب سؤاله، فدل ذلك على أنه إله، ومنه إطلاقه على الله سبحانه وتعالى أبا وعلى نفسه أنه ابنه، فابتغوا الفتنة فيه واعتقدوا الأبوة والنبوة على حقيقتهما ولم يردوا ذلك إلى المحكم الذي قاله لهم فأكثر منه، كما أخبر عنه أصدق القائلين سبحانه وتعالى في الكتاب المتواتر الذي حفظه من التحريف والتبديل: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم هذا مما ورد في كتابنا الذي لم يغيروا ما عندهم فإن كانوا قد بدلوه فقد ولله الحمد منه في الأناجيل الأربعة التي بين أظهرهم الآن في أواخر هذا القرن التاسع من المحكم ما يكفي في [ ص: 228 ] رد المتشابه إليه، ففي إنجيل لوقا أن جبريل عليه الصلاة والسلام ملاك الرب لما تبدى لمريم [مبشرا بالمسيح عليه السلام وخافت منه قال لها: لا تخافي يا مريم] ظفرت بنعمة من [عند] الله سبحانه وتعالى، وأنت تقبلين حبلا وتلدين ابنا يدعى يسوع، يكون عظيما، وابن العذراء يدعى; ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه; وفي إنجيله أيضا وإنجيل متى أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال وقد أمره إبليس أن يجرب قدره عند الله بأن يطرح نفسه من شاهق: مكتوب: لا تجرب الرب إلهك، وقال وقد أمره أن يسجد له: مكتوب: للرب إلهك اسجد، وإياه وحده اعبد، وصرح أن الله سبحانه وتعالى واحد في غير موضع; وفي إنجيل لوقا أنه دفع إلى المسيح سفر أشعيا [النبي] فلما فتحه وجد الموضع الذي فيه مكتوب: روح الرب علي، من أجل هذا مسحني وأرسلني لأبشر المساكين وأبشر بالسنة المقبولة للرب، والأيام التي أعطانا إلهنا، ثم طوى السفر ودفعه [ ص: 229 ] إلى الخادم; وفيه وفي غيره من أناجيلهم: من قبل هذا فقد قبلني، ومن قبلني فقد قبل الذي أرسلني، [ومن سمع منكم فقد سمع مني، ومن جحدكم فقد جحدني، ومن جحدني فقد شتم الذي أرسلني] ومن أنكرني قدام الناس أنكرته قدام الناس، أنكرته قدام ملائكة الله، وفي إنجيل يوحنا أنه قال عن نفسه عليه الصلاة والسلام: الذي أرسله الله إنما ينطق بكلام الله لأنه ليس بالكيس، أعطاه الله الروح، وقال: قد سأله تلاميذه أن يأكل فقال لهم: طعامي أن أعمل مسرة من أرسلني وأتم عمله; وفيه في موضع آخر: الحق الحق أقول لكم! أن من يسمع كلامي وآمن بمن أرسلني وجبت له الحياة المؤبدة، لست أقدر أعمل شيئا من ذات نفسي، وإنما أحكم بما أسمع، وديني عدل لأني لست أطلب مسرتي بل مسرة من أرسلني; وفي إنجيل مرقس أنه قال لناس: تعلمتم وصايا الناس وتركتم وصايا الله، وزجر بعض من اتبعه فقال: اذهب يا شيطان! فإنك لم تفكر في [ ص: 230 ] ذات الله، وتفكر في ذات الناس; فقد جعل الله إلهه وربه ومعبوده، واعترف له بالوحدانية وجعل ذاته مباينا لذات الناس الذي هو منهم; وفي جميع أناجيلهم نحو هذا، وأنه كان يصوم ويصلي لله ويأمر تلاميذه بذلك، ففي إنجيل لوقا أنهم قالوا له: يا رب! علمنا نصلي كما علم يوحنا تلاميذه، فقال لهم: إذا صليتم فقولوا: أبانا الذي في السماوات يتقدس اسمك! كفافنا أعطنا في كل يوم، واغفر لنا خطايانا لأنا نغفر لمن لنا عليه، ولا تدخلنا في التجارب، لكن نجنا من الشرير; ولما دخل الهيكل بدأ يخرج الذين يبيعون ويشترون فيه، فقال لهم: مكتوب أن بيتي هو بيت الصلاة وأنتم جعلتموه مفازة اللصوص! فعلم من هذا كله أن إطلاق اسم الرب عليه لأن الله سبحانه وتعالى أذن له أن يفعل بعض أفعاله التي ليست في قدرة البشر، والرب يطلق على السيد أيضا، كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام: اذكرني عند ربك ثم وجدت في [أوائل] إنجيل يوحنا أن الرب تأويله العلم، ولو ردوا أيضا الأب والابن إلى هذا المحكم وأمثاله وهي كثيرة في جميع أناجيلهم لعلموا بلا شبهة أن معناه أن الله سبحانه [ ص: 231 ] وتعالى يفعل معه ما يفعل الوالد مع ولده من التربية والحياطة والنصرة والتعظيم والإجلال، كما لزمهم حتما أن يأولوا قوله فيما قدمته: أبانا الذي في السماوات، وقوله في إنجيل متى لتلاميذه: هكذا فليضئ نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات، وقال: وأحسنوا إلى من أبغضكم، وصلوا على من يطردكم ويخزيكم لكيما تكونوا بني أبيكم الذي في السماوات، لأنه المشرق شمسه على الأخيار والأشرار، والممطر على الصديقين والظالمين، انظروا! لا تصنعوا أمر حكم قدام الناس لكي يروكم، فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات، وإذا صنعت رحمة فلا تضرب قدامك بالبوق، ولا تصنع كما يصنع المراؤون في المجامع وفي الأسواق لكي يمجدوا من الناس، الحق أقول لكم! لقد أخذوا أجرهم; وأنت إذا صنعت رحمة لا تعلم شمالك ما صنعته يمينك، لتكون صدقة في خفية، وأبوك الذي يرى الخفية يعطيك على نية; وقال في الفصل العاشر منه: وصل لأبيك سرا، وأبوك يرى السر فيعطيك علانية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 232 ] وهكذا في جميع آيات الأحكام من الإنجيل كرر لهم هذه اللفظة تكريرا كثيرا، فكما تأول لها النصارى بأن المراد منها تعظيمهم له أشد من تعظيمهم لآبائهم ليعتنى بهم أكثر من اعتناء الوالد بالولد فكذلك يأولون ما في إنجيل لوقا وغيره أن أم عيسى وإخوته أتوا إليه فلم يقدروا لكثرة الجمع على الوصول إليه فقالوا له أمك وإخوتك خارجا يريدون أن ينظروا إليك، فأجاب: أمي وإخوتي الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها; فكذلك يلزمهم تأويلها في حق عيسى عليه الصلاة والسلام لذلك ليرد المتشابه إلى المحكم. وإن لم يأولوا ذلك في حق أنفسهم وحملوه على الظاهر كما هو ظاهر قوله سبحانه وتعالى: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه كانوا مكابرين في المحسوس بلا شبهة، فإن كل أحد منهم مساو لجميع الناس وللبهائم في أن له أبوين، وكانت دعواهم هذه ساقطة لا يردها عليهم إلا من تبرع بإلزامهم بمحسوس آخر هم به يعترفون، وقد أقام هو نفسه عليه الصلاة والسلام أدلة على صرفها عن ظاهرها، منها غير ما تقدم أنه كثيرا ما كان يخبر عن نفسه فيقول: ابن الإنسان يفعل كذا، [ ص: 233 ] ابن البشر [قال كذا] يعني نفسه الكريمة، فحيث نسب نفسه إلى البشر كان مريدا للحقيقة، لأنه ابن امرأة منهم، وهو مثلهم في الجسد، والمعاني حيث نسبها إلى الله سبحانه وتعالى كان على المجاز كما تقدم. وأما السجود فقد ورد في التوراة كثيرا لآحاد الناس من غير نكير، فكأنه كان جائزا في شرائعهم فعله لغير الله سبحانه وتعالى على وجه التعظيم والله سبحانه وتعالى أعلم، وأما نحن فلا يجوز فعله لغير الله، ولا يجوز في شريعتنا أصلا إطلاق الأب ولا الابن بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، وكذا كل لفظ أوهم نقصا سواء صح أن ذلك كان جائزا في شرعهم أم لا، وإذا راجعت تفسير البيضاوي لقوله سبحانه وتعالى في البقرة " إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " زادك بصيرة فيما هنا; والحاصل أنهم لم يصرفوا ذلك في حق عيسى عليه الصلاة والسلام عن ظاهره وحقيقته وتحكموا بأن المراد منه المجاز وهو هنا إطلاق اسم الملزوم على اللازم، وكذا غيره من متشابه الإنجيل، كما فعلنا نحن بمعونة الله سبحانه وتعالى في وصف الله سبحانه وتعالى بالرضى والغضب والرحمة والضحك وغير ذلك [مما يستلزم حمله على الظاهر وصفات المحدثين، وكذا ذكر اليد والكف والعين ونحو ذلك] [ ص: 234 ] فحملنا ذلك كله على أن المراد منه لوازمه وغاياته مما يليق بجلاله سبحانه وتعالى مع تنزيهنا له سبحانه وتعالى عن كل نقص وإثباتنا له كل كمال، فإن الله سبحانه وتعالى عزه وجده وجل قدره ومجده أنزل حرف المتشابه ابتلاء لعباده لتبين الثابت من الطائش والموقن من الشاك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحرالي في كتابه عروة المفتاح: وجه إنزال هذا الحرف تعرف الحق للخلق بمعتبر ما خلقهم عليه ليلفتوا عنه وليفهموا خطابه، وليتضح لهم نزول رتبهم عن علو ما تعرف به لهم، وليختم بعجزهم عن إدراك هذا الحرف علمهم بالأربعة يعني الأمر والنهي والحلال والحرام، وحبسهم بالخامس وتوقفهم عنه والاكتفاء بالإيمان منه ما تقدم من عملهم بالأربعة، واتصافهم بالخامس ليتم لهم العبادة بالوجهين من العمل والوقوف والإدراك والعجز فارجع البصر هل ترى من فطور علما وحسا [ ص: 235 ] ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير عجزا، أعلمهم بحظ من علم أنفسهم وغيرهم بعد أن أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ثم أعجزهم عن علم أمره وأيامه الماضية والآتية وغائب الحاضرة ليسلموا له اختيارا فيرزقهم اليقين بأمره وغائب أيامه، كما أسلموا له في الصغر اضطرارا، فرزقهم حظا من علم خلقه، فمن لم يوقفه في حد الإيمان اشتباه خطابه سبحانه وتعالى عن نفسه وما بينه وبين خلقه وحاول تدركه بدليل أو فكر أو تأويل حرم اليقين بعلي الأمر والتحقيق في علم الخلق، وأوخذ بما أضاع من محكم ذلك المتشابه حين اشتغل لما يعنيه من حال نفسه بما لا يعنيه من أمر ربه، فكان كالمتشاغل بالنظر في ذي الملك، وتنظره يرمي نفسه عن مراقبة ما يلزمه من تفهم حدوده وتذلله لحرمته; وجوامع منزل هذا الحرف في رتبتين: مبهمة ومفصلة، [ ص: 236 ] أما انبهامه فلوقوف العلم [به] على تعريف الله سبحانه وتعالى من غير واسطة من وسائط النفس من فكر ولا استدلال، وليتدرب المخاطب بتوقفه على المبهم على توقفه عن مفصله ومبهمه، وهو جامع الحروف المنزلة في أوائل السور التسع والعشرين من سوره وبه افتتح الترتيب في القرآن، ليتلقى الخلق بادي أمر الله بالعجز والوقوف والاستسلام إلى أن يمن الله سبحانه وتعالى بعلمه بفتح من لدنه، ولذلك لم يكن في تنزيله في هذه الرتبة ريب لمن علمه الله سبحانه وتعالى كنهه من حيث لم يكن للنفس مدخل في علمه، وذلك قوله سبحانه وتعالى: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه لمن علمه الله إياه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب وقوفا عن محاولة علم ما ليس في وسع الخلق علمه، حتى تلحقه العناية من ربه فعلمه ما لم يكن في علمه; وأما الرتبة الثانية فمتشابه الخطاب المفصل المشتمل على إخبار الله عن نفسه وتنزلات أمره، ورتب إقامات خلقه بإبداع كلمته وتصيير حكمته وباطن ملكوته وعزيز جبروته وأحوال أيامه; وأول ذلك في ترتيب القرآن إخباره عن استوائه في قوله: ثم استوى إلى السماء [ ص: 237 ] إلى قوله سبحانه وتعالى فأينما تولوا فثم وجه الله إلى سائر ما أخبر عنه من عظم شأنه في جملة آيات متعددات لقوله سبحانه وتعالى إلا لنعلم من يتبع الرسول فإني قريب هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة الله لا إله إلا هو الحي القيوم فأذنوا بحرب من الله ورسوله هو الذي يصوركم في الأرحام ويحذركم الله نفسه ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير وكان الله سميعا بصيرا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم خلق السماوات والأرض ثم استوى على العرش ولتصنع على عيني قل من بيده ملكوت كل شيء فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله كل شيء هالك إلا وجهه هو الذي يصلي عليكم وملائكته إن الله وملائكته يصلون على النبي ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وهو [ ص: 238 ] الذي في السماء إله وفي الأرض إله وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه وله الكبرياء في السماوات والأرض كل من عليها فان ويبقى وجه ربك هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو معكم أين ما كنتم ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا تبارك الذي بيده الملك تعرج الملائكة والروح إليه وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وما تشاءون إلا أن يشاء الله وجاء ربك والملك صفا صفا إلى سائر ما أخبر فيه عن تنزلات أمره وتسوية خلقه وما أخبر عنه حبيبه صلى الله عليه وسلم من محفوظ الأحاديث التي عرف بها أمته ما يحملهم في عبادتهم على الانكماش والجد والخشية والوجل والإشفاق وسائر الأحوال المشار إليها في حرف المحكم من نحو حديث النزول والقدمين والصورة والضحك والكف والأنامل، وحديث عناية لزوم التقرب بالنوافل وغير ذلك من الأحاديث التي ورد بعضها في الصحيحين، واعتنى بجمعها الحافظ المتقن أبو الحسن الدارقطني رحمه الله [ ص: 239 ] تعالى، ودون بعض المتكلمين جملة منها لقصد التأويل، وشدد النكير في ذلك أئمة المحدثين، يؤثر عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه ورحمه أنه قال: آيات الصفات وأحاديث الصفات صناديق مقفلة مفاتيحها بيد الله سبحانه وتعالى، تأويلها تلاوتها، ولذلك أئمة الفقهاء وفتياهم لعامة المؤمنين والذي اجتمعت عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ولقنته العرب كلها أن ورود ذلك عن الله ومن رسوله ومن الأئمة إنما هو لمقصد الإفهام، لا لمقصد الإعلام، فلذلك لم يستشكل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم شيئا قط، بل كلما كان وارده عليهم أكثر كانوا به أفرح، وللخطاب به أفهم، حتى قال بعضهم لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يضحك من عبده: لا نعدم الخير من رب يضحك" وهم وسائر العلماء بعدهم صنفان: إما متوقف عنه في حد الإيمان، قانع بما أفاد من الإفهام، وإما مفتوح عليه بما هو في صفاء الإيقان، وذلك أن الله سبحانه وتعالى تعرف لعباده في الأفعال والآثار في الآفاق وفي أنفسهم تعليما، وتعرف للخاصة منهم [ ص: 240 ] بالأوصاف العليا والأسماء الحسنى مما يمكنهم اعتباره تعجيزا، فجاوزوا حدود التعلم بالإعلام إلى عجز الإدراك فعرفوا أن لا معرفة لهم، وذلك هو حد العرفان وإحكام قراءة هذا الحرف المتشابه في منزل القرآن، وتحققوا أن ليس كمثله شيء و ولم يكن له كفوا أحد فتهدفوا بذلك لما يفتحه الله على من يحبه من صفاء الإيقان، والله يحب المحسنين. ثم قال فيما به تحصل قراءة هذا الحرف: اعلم أن تحقيق الإسلام بقراءة حرف المحكم لا يتم إلا بكمال الإيمان بقراءة حرف المتشابه تماما لأن حرف المحكم حال يتحقق للعبد. ولما كان حرف المتشابه إخبارا عن نفسه سبحانه وتعالى بما يتعرف به لخلقه من أسماء وأوصاف كانت قراءته بتحقق العبد أن تلك الأسماء والأوصاف ليست مما تدركه حواس الخلق ولا ما تناله عقولهم، وإن أجرى على تلك الأسماء والأوصاف على الخلق فيوجه، لا يلحق أسماء الحق ولا أوصافه منها تشبيه في وهم ولا تمثيل في عقل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ولم يكن له كفوا أحد فالذي يصح به قراءة هذا الحرف أما من جهة القلب [ ص: 241 ] فالمعرفة بأن جميع أسماء الحق وأوصافه تعجز عن معرفتها إدراكات الخلق وتقف عن تأويلها إجلالا وإعظاما معلوماتهم، وأن حسبها معرفتها بأنها لا تعرفها، وأما من جهة حال النفس والاستكانة لما يوجبه تعرف الحق بتلك الأسماء والأوصاف من التحقق بما يقابلها والبراءة من الاتصاف بها لأن ما صلح للسيد حرم على العبد لتحقق فقر الخلق من تسمي الحق بالغنى، ولا يتسمى بالغنى فيقدح في هداه، فيهلك باسمه ودعواه، ولتحقق ذلهم من تسميته تعالى بالعزة [و] عجزهم عن تسميته بالقدرة، واستحقاق تخليهم من جميع ما تعرف به من أوصاف الملك والسلطان والغضب والرضى والوعد والوعيد والترغيب والترهيب إلى سائر ما تسمى به في جميع تصرفاته مما ذكر في المتشابه من الآي، وأشير إليه من الأحاديث، وما عليه اشتملت "واردات الأخبار" في جميع الصحف والكتب، ومرائي الصالحين ومواقف المحدثين ومواجد المروعين; وأما من جهة [ ص: 242 ] العمل فحفظ اللسان عن إطلاق ألفاظ التمثيل والتشبيه تحقيقا لما في مضمون قوله سبحانه وتعالى

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يكن له كفوا أحد لأن مقتضاها الرد على المشبه من هذه الأمة، وليس لعمل الجوارح في هذا الحرف مظهر سوى ما ذكر من لفظ اللسان، فقراءته كالتوطئة لتخليص العبادة بالقلب في قراءة مفرد حرف الأمثال; والله العلي الكبير انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم حرف الأمثال عند قوله تعالى مثلهم كمثل الذي استوقد نارا وقد بين سبحانه وتعالى أنه لا يضل بحرف المتشابه إلا ذوو الطبع العوج الذين لم ترسخ أقدامهم في الدين ولا استنارت معارفهم في العلم فقال: فأما الذين في قلوبهم زيغ أي اعوجاج عدلوا به عن الحق. وقال الحرالي: هو ميل المائل إلى ما يزين لنفسه الميل إليه، والمراد هنا أشد الميل الذي هو ميل القلب عن جادة الاستواء [و] في إشعاره ما يلحق بزيغ القلوب من سيئ الأحوال في الأنفس وزلل الأفعال في الأعمال، فأنبأ تعالى عما هو الأشد وأبهم ما هو الأضعف: فيتبعون في إشعار هذه الصيغة بما تنبئ عنه [ ص: 243 ] من تكلف المتابعة بأن من وقع له الميل فلفته لم تلحقه مذمة هذا الخطاب، فإذا وقع الزلل ولم يتتابع حتى يكون اتباعا سلم من حد الفتنة بمعالجة التوبة ما تشابه منه فأبهمه إبهاما يشعر بما جرت به الكليات فيما يقع نبأ عن الحق وعن الخلق [من نحو أوصاف النفس كالتعليم والحكيم وسائر أزواج الأوصاف كالغضب والرضى بناء على الخلق] في بادئ الصورة من نحو العين واليد والرجل والوجه وسائر بوادي الصورة، كل ذلك مما أنه متشابهات أنزلها الله تعالى ليتعرف للخلق بما جبلهم عليه مما لو لم يتعرف لهم به لم يعرفوه، ففائدة إنزالها التعرف بما يقع به الامتحان بإحجام الفكر عنه والإقدام على التعبد له، ففائدة إنزاله عمل في المحكم وفائدة إنزاله فيه توقف عنه ليقع الابتلاء بالوجهين: عمل بالمحكم ووقوف عن المتشابه، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تتفكروا في الله" وقال علي رضي الله عنه : من تفكر في ذات الله تزندق ، ووافق العلماء إنكار الخلق عن التصرف في تكييف شيء منه، كما ذكر عن مالك رحمه الله تعالى في قوله: الكيف مجهول والسؤال عنه بدعة، فالخوض في المتشابه بدعة، والوقوف عنه سنة; وأفهم عنه الإمام أحمد يعني فيما تقدم في آيات الصفات من أن تأويلها [ ص: 244 ] تلاوتها، هذا هو حد الإيمان وموقفه، وإليه أذعن الراسخون في العلم، وهم الذين تحققوا في أعلام العلم، ولم يصغوا إلى وهم التخييل والتمثل به في شيء مما أنبأ الله سبحانه وتعالى به نفسه ولا في شيء مما بينه وبين خلقه و [كان في] توقفهم عن الخوض في المتشابه تفرغهم للعمل في المحكم، لأن المحكم واضح وجداني، متفقه عليه مدارك الفطن وإذعان الجبلات ومنزلات الكتب، لم يقع فيه اختلاف بوجه حتى كان لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، للزوم الواجب من العمل بالمحكم في إذعان النفس، فكما لا يصلح العراء عن الاتصاف بالمحكم لا يصلح الترامي إلى شيء من الخوض في المتشابه لأحد من أهل العلم والإيمان أهل الدرجات، لأن الله سبحانه وتعالى جبل الخلق وفطرهم على إدراك حظ من أنفسهم من أحوالهم، وأوقفهم عن إدراك ما هو راجع إليه، فأمر الله وتجلياته لا تنال إلا بعناية منه، يزج العبد زجه يقطع به الحجب الظلمانية والنورانية [ ص: 245 ] التي فيها مواقف العلماء; فليس في هذا الحرف المتشابه إلا أخذ لسانين: لسان وقفة عن حد الإيمان للراسخين في العلم المشتغلين بالاتصاف بالتذلل والتواضع والتقوى والبر الذي أمر صلى الله عليه وسلم أن يتبع فيه حتى ينتهي العبد إلى أن يحبه الله، فيرفع عنه عجز الوقفة عن المتشابه، وينقذه من حجاب النورانية، فلا يشكل عليه دقيق ولا يعييه خفي بما أحبه الله، وما بين ذلك من خوض دون إنقاذ هذه العناية فنقص عن حد رتبة الإيمان والرسوخ في العلم، فكل خائض فيه ناقص من حيث يحب أن يزيد، فهو إما عجز إيماني من حيث الفطر الخلقي، وإما تحقق إيقاني توجبه العناية والمحبة. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر سبحانه وتعالى اتباعهم له ذكر علته فقال: ابتغاء الفتنة أي تمييل الناس عن عقائدهم بالشكوك وابتغاء تأويله أي ترجيعه إلى ما يشتهونه وتدعوا إليه نفوسهم المائلة وأهويتهم الباطلة بادعاء أنه مآله. قال الحرالي: والابتغاء افتعال: تكلف البغي، وهو شدة الطلب، وجعله تعالى ابتغاءين لاختلاف وجهيه، فجعل [ ص: 246 ] الأول فتنة لتعلقه بالغير وجعل الثاني تأويلا أي طلبا للمآل عنده، لاقتصاره على نفسه، فكان أهون الزيغين. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين زيغهم بين أن نسبة خوضهم فيما لا يمكنهم علمه فقال: وما أي والحال أنه [ما] يعلم في الحال وعلى القطع تأويله قال الحرالي: هو ما يؤول إليه أمر الشيء في مآله إلى معاده إلا الله أي المحيط قدرة وعلما، قال: ولكل باد من الخلق مآل كما أن الآخرة مآل الدنيا يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق لذلك كل يوم من أيام الآخرة مآل للذي قبله، فيوم الخلود مآل يوم الجزاء، ومآل الأبد مآل يوم الخلود; وأبد الأبد مآل الأبد، وكذلك كل الخلق له مآل من الأمر فأمر الله مآل خلقه وكذلك الأمر، كل تنزيل أعلى منه مآل التنزيل الأدنى إلى كمال الأمر، وكل أمر الله مآل من أسمائه وتجلياته، وكل تجل أجلى مآل لما دونه من تجل أخفى، قال عليه الصلاة والسلام:

                                                                                                                                                                                                                                      "فيأتيهم [ربهم] في غير الصورة التي يعرفونها، الحديث إلى قوله: أنت ربنا" فكان تجليه [ ص: 247 ] الأظهر لهم مآل تجليه الأخفى عنهم; فكان كل أقرب للخلق من غيب خلق وقائم أمر وعلي تجل إبلاغا إلى ما وراءه فكان تأويله، فلم تكن الإحاطة بالتأويل المحيط إلا لله سبحانه وتعالى. ولما ذكر الزائغين ذكر الثابتين فقال: والراسخون في العلم قال الحرالي: وهم المتحققون في أعلام العلم من حيث إن الرسوخ النزول بالثقل في الشيء الرخو ليس الظهور على الشيء، فلرسوخهم كانوا أهل إيمان، ولو أنهم كانوا ظاهرين على العلم كانوا أهل إيقان، لكنهم راسخون في العلم لم يظهروا بصفاء الإيقان على نور العلم، فثبتهم الله سبحانه وتعالى عند حد التوقف فكانوا دائمين على الإيمان بقوله: يقولون آمنا به بصيغة الدوام انتهى أي هذا حالهم في رسوخهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا قسيما لقوله: فأما الذين في قلوبهم زيغ كان ذلك واضحا في كونه ابتداء وأن الوقوف على ما قبله، ولما كان هذا الضمير محتملا للمحكم فقط قال: كل أي من المحكم والمتشابه. قال الحرالي: وهذه الكلمة معرفة بتعريف الإحاطة التي أهل النحاة ذكرها في وجوه التعريف إلا من ألاح معناها منهم [ ص: 248 ] فلم يلقن ولم ينقل جماعتهم ذلك; وهو من أكمل وجوه التعريف، لأن حقيقة التعريف التعين بعيان أو عقل، وهي إشارة إلى إحاطة ما أنزله على إبهامه، فكان مرجع المتشابه والمحكم عندهم مرجعا واحدا، آمنوا بمحل اجتماعه الذي منه نشأ فرقانه، لأن كل مفترق بالحقيقة إنما هو معروج من حد اجتماع، فما رجع إليه الإيمان في قولهم: آمنا به، هو محل اجتماع المحكم والمتشابه في إحاطة الكتاب قبل تفصيله انتهى. من عند ربنا أي المحسن إلينا بكل اعتبار، ولعله عبر بعند وهي بالأمر الظاهر بخلاف لدن إشارة إلى ظهور ذلك عند التأمل، وعبروه عن الاشتباه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان مع كل مشتبه أمر إذا دقق النظر فيه رجع إلى مثال حاضر للعقل إما محسوس وإما في حد ظهور المحسوس قال معمما لمدح المتأملين على دقة الأمر وشدة غموضه بإدغام تاء التفعل مشيرا إلى أنهم تأهلوا بالرسوخ إلى الارتقاء عن رتبته، ملوحا إلى أنه لا فهم لغيرهم عاطفا على ما تقديره: فذكرهم الله من معاني المتشابه ببركة إيمانهم وتسليمهم بما نصبه من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ما يمكن أن [ ص: 249 ] يكون إرادة منه سبحانه وتعالى وإن لم [يكن] على القطع بأنه إرادة: وما يذكر [أي] من الراسخين بما سمع من المتشابه ما في حسه وعقله من أمثال ذلك إلا أولو الألباب قال الحرالي: الذين لهم لب العقل الذي للراسخين في العلم ظاهره، فكان بين أهل الزيغ وأهل التذكر مقابلة بعيدة، فمنهم متذكر ينتهي إلى إيقان، وراسخ في العلم يقف عند حد إيمان، ومتأول يركن إلى لبس بدعة، وفاتن يتبع هوى; فأنبأ جملة هذا البيان عن أحوال الخلق بالنظر إلى تلقي الكتاب كما أنبأ بيان سورة البقرة عن جهات تلقيهم للأحكام انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية