الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا الضلال عجبا في نفسه فضلا عن أن يكون من قوم يجمعهم جامع ملك مبناه السياسة التي محطها العقل الذي هو نور الهداية ، ودواء الغواية ، علله بانتفاء أعظم مقرب إلى الله : السجود ، تعظيما له وتنويها به فقال : ألا [أي : لأن لا] يسجدوا أي : حصل لهم هذا العمى العظيم الذي استولى به عليهم الشيطان لانتفاء سجودهم ، ويجوز [ ص: 153 ] أن يتعلق بالتزيين ، أي : زين لهم لئلا يسجدوا لله أي : يعبدوا الذي له الكمال كله بالسجود الذي هو محل الأنس ، ومحط القرب ، ودارة المناجاة ، وآية المعافاة ، فإنهم لو سجدوا له سبحانه لاهتدوا ، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ففات الشيطان ما يقصده منهم من الضلال ، وعلى قراءة الكسائي وأبي جعفر بالتخفيف وإشباع فتح الياء يكون استئنافا ، بدئ بأداة الاستفتاح تنبيها لهم على عظم المقام لئلا يفوت الوعظ أحدا منهم بمصادفته غافلا ، ثم نادى لمثل ذلك وحذف المنادى إيذانا بالاكتفاء بالإشارة لضيق الحال ، خوفا من المبادرة بالنكال عن استيفاء العبارة التي كان حقها : ألا يا هؤلاء اسجدوا لله ، أي : لتخلصوا من أسر الشيطان ، فإن السجود مرضاة للرحمن ، ومجلاة للعرفان ، ومجناة لتمام الهدى والإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت [القصة] في بيان علمه سبحانه السابق لعلم الخلائق المستلزم للحكمة ، وصفه بما يقتضي ذلك فقال : الذي يخرج الخبء وهو الشيء المخبوء بالفعل المخفي في غيره ، وهو ما وجد وغيب عن الخلق كالماء الذي في بطن الأرض ، أو بالقوة وهو ما لم يوجد أصلا ، وخصه بقوله : في السماوات والأرض لأن ذلك منتهى مشاهدتنا ، [ ص: 154 ] فننظر ما يتكون فيهما بعد أن لم [يكن] من سحاب ومطر ونبات وتوابع ذلك من الرعد والبرق وغيرهما ، وما يشرق من الكواكب ويغرب - إلى غير ذلك من الرياح ، والبرد والحر ، والحركة والسكون ، والنطق والسكوت - وما [لا] يحصيه إلا الله تعالى ، والمعنى أنه يخرج ما هو في عالم الغيب فيجعله في عالم الشهادة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ذلك قد [يخص بما لم يضمر في القلوب كالماء الذي كان يخرجه الهدهد وكان ذلك قد] يعرف بأمارات ، وكان ما تضمره القلوب أخفى ، قال : ويعلم ما تخفون ولما كان هذا مستلزما لعلم الجهر ، وكان للتصريح ما ليس لغيره من المكنة والطمأنينة ، مع أن الإعلان ربما كان فيه من اللغط واختلاط الأصوات ما يمنع المستمع من العلم ، قال : وما تعلنون أي : يظهرون.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية