الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تقرر هذا؛ تشوف السامع إلى معرفة العلماء؛ فكان كأنه قيل: هم الذين يحافظون على كتاب الله؛ علما؛ وعملا؛ فقيل: فما لهم؟ فقال - مؤكدا؛ تكذيبا لمن يظن من الكفار؛ وغيرهم من العصاة أنهم من الخاسرين بما ضيعوا من عاجل دنياهم -: إن الذين يتلون ؛ أي: يجددون التلاوة كل وقت؛ مستمرين على ذلك؛ محافظين عليه؛ كلما نزل من القرآن شيء؛ وبعد كمال نزوله؛ حتى يكون ذلك ديدنهم؛ وشأنهم؛ بفهم؛ وبغير فهم؛ كتاب الله ؛ أي: الذي لا ينبغي لعاقل أن يقبل على غيره؛ لما له من صفات الجمال؛ والجلال؛ ولما ذكر السبب الذي لا سبب يعادله؛ [ ص: 50 ] ذكر أحسن ما يربط به؛ فقال - دالا على المداومة بالتعبير بالإقامة؛ وعلى تحقيق الفعل بالتعبير بالماضي -: وأقاموا الصلاة ؛ أي: وهي الناهية عن الفحشاء؛ والمنكر؛ فناجوا الله فيها بكلامه؛ ولما ذكر الوصلة بينهم وبين الخالق؛ ذكر إحسانهم إلى الخلائق؛ فقال - دالا على إيقاع الفعل بالتعبير بالماضي؛ وعلى الدوام بالسر؛ والعلن؛ لافتا القول إلى مظهر العظمة؛ تنبيها على أن الرزق منه وحده؛ لا بحول أحد غيره؛ ولا غيره -: وأنفقوا مما رزقناهم ؛ أي: بحولنا؛ وقوتنا؛ لا بشيء من أمرهم في جميع ما يرضينا؛ ودل على مواظبتهم على الإنفاق؛ وإن أدى إلى نفاد المال؛ بقوله: سرا وعلانية ؛ وعبر في الأول بالمضارع؛ لأن إنزالها كان قبل التمام؛ وتصريحا بتكرار التلاوة تعبدا؛ ودراسة؛ لأن القرآن - كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "...أشد تفلتا من الإبل في عقلها"؛ أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -؛ وفي الثاني؛ والثالث؛ بالماضي؛ حثا على المبادرة إلى الفعل؛ وقد تحصل من هذا أنه جعل لفعل القلب - الذي هو الخشية - دليلا باللسان؛ وآخر بالأركان؛ وثالثا بالأموال.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أحلهم بالمحل الأعلى؛ معرفا أنهم أهل العلم؛ الذين يخشون الله؛ وكان العبد لا يجب له على سيده شيء؛ قال - منبها على نعمة الإبقاء الثاني؛ التي هي أم النعم؛ والنتيجة العظمى المقصودة بالذات -: يرجون ؛ أي [ ص: 51 ] في الدنيا؛ والآخرة؛ تجارة ؛ أي: بما عملوا؛ لن تبور ؛ أي: تكسد؛ وتهلك؛ بل هي باقية؛ لأنها دفعت إلى من لا تضيع لديه الودائع؛ وهي رائجة رابحة؛ لكونه تام القدرة؛ شامل العلم؛ له الغنى المطلق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية