الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "فاتبعتموه؛ وسلكتم سبيله؛ مع اعوجاجه؛ وتركتم سبيلي؛ مع ظهور استقامته"؛ عطف عليه قوله: ولقد أضل منكم ؛ أي: عن الطريق الواضح؛ السوي؛ بما سلطته به من الوسوسة؛ وأكده [ ص: 154 ] إشارة إلى أنه أمر لا يكاد أن يصدق به؛ لما يبعد ارتكابه في العادة؛ من اتضاح أمره؛ وظهور فساده؛ وضره؛ ولما كان الآدمي شديد الشكيمة؛ عالي الهمة؛ إذا أراد؛ عبر بقوله: جبلا ؛ أي: أمما كبارا؛ عظاما؛ كانوا كالجبال في قوة العزائم؛ وصعوبة الانقياد؛ ومع ذلك فكان يتلعب بهم تلعبا؛ فسبحان من أقدره على ذلك؛ وإلا فهو أضعف كيدا؛ وأحقر أمرا؛ قال في القاموس: "الجبل"؛ بالضم: الشجر اليابس؛ والجماعة منا؛ كـ "الجبل"، كـ "عنق" و"عدل"؛ و"عتل" و"طمر"؛ و"طمرة"؛ وأمير"؛ ثم قال: وبالكسر؛ وبالضم؛ وكـ "طمرة": الأمة؛ والجماعة؛ ثم قال: و"الجبلة"؛ مثلثة؛ ومحركة؛ وكـ "طمرة": الخلقة؛ والطبيعة؛ ودلت قراءة أبي عمرو ؛ وابن عامر ؛ بضم الجيم؛ وإسكان الباء؛ وتخفيف اللام؛ على الذين هم في أول مراتب الشدة؛ والقوة؛ وقراءة ابن كثير ؛ وحمزة ؛ والكسائي ؛ ورويس؛ عن يعقوب؛ بضمتين؛ وتخفيف؛ على ما فوق ذلك؛ مما يقرب من الوسط؛ مع الظهور؛ والعلو؛ للضم؛ من القوة؛ وقراءة روح كذلك؛ مع [ ص: 155 ] تشديد؛ على ما فوق الوسط - بما أشارت إليه الحركات؛ والتشديد؛ ولكنه مع خفاء؛ وكأنه بالمكر؛ بما أشار إليه كون الحركتين بالكسر؛ وعظم - سبحانه - الأمر بقوله: كثيرا ؛ ثم زاد في التوبيخ؛ والإنكار؛ بما أنتجه المقام؛ وسببه إضلاله لهم؛ مع ما أوتوا من العقول؛ من قوله: أفلم ؛ ولما كان - سبحانه - قد آتاهم عقولا؛ وأي عقول! عبر بالكون؛ فقال: تكونوا تعقلون ؛ أي: لتدلكم على ما فيه النجاة عقولكم؛ بما نصبت من الأدلة؛ ومع ما نبهت عليه الرسل؛ وحذرت منه من إهلاك الماضين؛ بسبب اتباع الشياطين؛ وغير ذلك من كل أمر واضح مبين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية