الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أرشدهم إلى هذه المراشد؛ وبين لهم بعض ما اشتملت عليه من الفوائد؛ وبان بهذه القصة قدر من أسدى إليهم ذلك على لسانه - صلى الله عليه وسلم - بما له من الفضائل التي من أعظمها كونه من جنسهم؛ يميل إليهم؛ ويرحمهم؛ ويعطف عليهم؛ فيألفونه؛ فيعلمهم; نبه على ذلك - سبحانه وتعالى - ليستمسكوا بغرزه؛ ولا يلتفتوا لحظة عن لزوم هديه؛ فقال - سبحانه وتعالى - مؤكدا لما اقتضاه الحال من فعل يلزم منه النسبة إلى الغلول -: لقد من الله ؛ أي: ذو الجلال والإكرام؛ على المؤمنين ؛ خصهم؛ لأنهم المجتبون لهذه النعمة؛ إذ بعث فيهم ؛ أي: فيما بينهم؛ أو بسببهم؛ رسولا وزادهم رغبة فيه؛ بقوله: من أنفسهم ؛ أي: نوعا؛ وصنفا؛ يعلمون أمانته؛ وصيانته؛ وشرفه؛ ومعاليه؛ [ ص: 116 ] وطهارته؛ قبل النبوة؛ وبعدها؛ يتلو عليهم آياته ؛ أي: فيمحو ببركة نفس التلاوة كبيرا من شر الجان؛ وغيرها؛ مما ورد في منافع القرآن؛ مما عرفناه؛ وما لم نعرفه أكثر؛ ويزكيهم ؛ أي: يطهرهم من أوضار الدنيا؛ والأوزار؛ بما يفهمه بفهمه الثاقب؛ من دقائق الإشارات؛ وبواطن العبارات؛ وقدم التزكية لاقتضاء مقام المعاتبة على الإقبال على الغنيمة ذلك؛ كما مضى في سورة "البقرة"؛ ويعلمهم الكتاب ؛ أي: تلاوة؛ بكونه من نوعهم؛ يلذ لهم التلقي منه؛ والحكمة ؛ تفسيرا؛ وإبانة؛ وتحريرا؛ وإن ؛ أي: والحال أنهم؛ كانوا ؛ ولما كانوا قد مرت لهم أزمان وهم على دين أبيهم إسماعيل - عليه الصلاة والسلام -؛ نبه على ذلك بإدخال الجار؛ فقال: من قبل ؛ أي: من قبل ذلك؛ لفي ضلال مبين ؛ أي: ظاهر؛ وهو من شدة ظهوره كالذي ينادي على نفسه بإيضاح لبسه؛ وفي ذلك إشارة إلى أنه - صلى اللـه عليه وسلم - علمهم من الحكمة في هذه الوقعة ما أوجب نصرتهم في أول النهار؛ فلما خالفوه حصل الخذلان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية