الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 258 ] ولما جرت العادة بأن الإنسان لا يعذب ولا يهدد إلى من ضره كما تقدم من الإخبار بنكالهم وقبيح أعمالهم مهيئا للسؤال عن ذلك فاستأنف قوله مؤكدا لظنهم أنهم هم الغالبون لحزب الله: إن الذين كفروا أي: غطوا من دلت عليه عقولهم من ظاهر آيات الله لا سيما بعد إرسال الرسول المؤيد بواضح المعجزات صلى الله عليه وسلم وصدوا أي امتنعوا ومنعوا غيرهم زيادة في كفرهم عن سبيل الله أي: الطريق الواضح الذي نهجه الملك الأعظم. ولما كان أكثر السياق للمساترين بكفرهم، أدغم في قوله: وشاقوا الرسول أي: الكامل في الرسلية المعروفة غاية المعرفة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان سبحانه قد عفا عن إهمال الدليل العقلي على الوحدانية قبل الإرسال، قال مثبتا الجار إعلاما بأنه لا يغفر لمضيعه بعد الإرسال ولو في أدنى وقت: من بعد ما تبين أي: غاية التبين بالمعجز لهم الهدى بحيث صار ظاهرا بنفسه غير محتاج بما أظهره الرسول من الخوارق إلى مبين، ومنه ما أخبرت به الكتب القديمة الإلهية.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المناصب للرسول إنما ناصب من أرسله، دل على ذلك بقوله معريا له من الفاء دلالة على عدم التسبيب بمعنى أن عدم هذا الضر [ ص: 259 ] موجود عملوا أو لم يعملوا وجدوا أو لم يوجدوا لن يضروا الله أي: ملك الملوك، ولم يقل: الرسول شيئا أي: كثيرا ولا قليلا من ضرر بما تجمعوا عليه من الكفر والصد.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: إنما ضروا أنفسهم ناجزا بأنهم أتعبوها مما لم يغن عنهم شيئا. عطف عليه: وسيحبط أي: يفسد فيبطل بوعد لا خلف فيه أعمالهم من المحاسن لبنائها من المنافق [على غير أساس ثابت، فهو إنما يرائي بها، ومن المجاهر على غير] أساس أصلا، فلا ينفعهم شيء منها، ومن المكائد التي يريدون بها توهين الإسلام ونجعل تدميرهم بها في تدبيرهم وإن تناهوا في إحكامها، فلا تثمر لهم إلا عكس مرادهم سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية