الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أفهم هذا الإنكار بطلان قولهم هذا، حصر القول الحق فيها [ ص: 60 ] فقال مستأنفا: إن أي ما هي أي هذه الأصنام إلا أسماء أي لا حقائق لها، فما ادعيتم لها من الإلهية ليس لها من ذلك إلا الأسماء، وأكد ذلك بقوله مبينا: سميتموها أي ابتدعتم تسميتها أنتم، واجتث قولهم من أصله فقال: أنتم وآباؤكم أي لا غير بمجرد الهوى لم تروا منها آية ولا كلمتكم قط كلمة تعتدونها، وعلى تقدير أن تتكلم الشياطين على ألسنتها فأي طريقة قويمة شرعت لكم وأي كلام مليح أو بليغ وصل إليكم وأي آية كبرى أرتكموها - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما علم بهذا أن الله تعالى لم يأمرهم بشيء من ذلك، صرح به نافيا أن يدل على ما وسموه به دليل فقال: ما ولما قدم في الأعراف ترك النافي للتدريج لما تقدم بما اقتضاه، نفى هنا الإفعال النافي لأصل الفعل سواء كان بالتدريج أو غيره لأن المفصل لباب القرآن فهو للمقاصد، وذلك كاف في ذم الهوى الذي هو مقصود السورة فقال: أنـزل الله الذي له جميع صفات الكمال بها أي بالاستحقاق للأسماء ولا لما وسمتموها به من الإلهية، وأعرق في النفي بقوله: من سلطان أي حجة تصلح مسلطا على ما يدعى فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا النفي المستغرق موجبا للخصم إيساع الحيلة في ذكر دليل على أي وجه كان، وكان هؤلاء قد أبلسوا عند سماع هذا الكلام ولم يجدوا ما يقولون ولا يجدوا، فكان من حقهم أن يرجعوا فلم يرجعوا، أعرض عنهم إيذانا بشديد الغبن قائلا: إن أي ما يتبعون [ ص: 61 ] أي في وقت من الأوقات في أمر هذه الأوثان بغاية جهدهم من أنها آلهة، وأنها تشفع لهم أو تقربهم من الله إلا الظن أي غاية أمرهم لمن يحسن الظن بهم، فالظن ترجيح أحد الجائزين على رغم الظان.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الظن قد يكون موافقا للحق مخالفا للهوى قال: وما تهوى الأنفس أي تشتهي، وهي - لما لها من النقص - لا تشتهي أبدا إلا بما يهوي بها عن غاية أوجها إلى أسفل حضيضها، وأما المعالي وحسن العواقب فإنما تشوق إليها العقل، قال القشيري: فالظن الجميل بالله فليس من هذا الباب، والتباس عواقب الشخص عليه ليس من هذه الجملة بسبيل، إنما الظن المعلول في الله وصفاته وأحكامه. ولقد أي العجب أنهم يفعلون ذلك والحال أنه قد جاءهم من ربهم أي المحسن إليهم الهدى أي الكامل في بابه إلى الدين الحق الناطق بالكتاب الناطق بالصواب على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، والرأي يقتضي أن من رأى الهدى تبعه ولو أتاه به عدوه، فكيف إذا أتاه به من هو أفضل منه من عند من إحسانه لم ينقطع عنه قط. ولما كان التقدير: أعليهم أن يتركوا أهويتهم ويهتدوا بهدى ربهم الذي لا ملك لهم معه

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية