الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أعلموا بالعداوة اللازمة ؛ كان كأنه قيل : فما وجه الخلاص منها ؟ فقيل : اتباع شرعنا المشروع للتوبة والرحمة فإنا قلنا كما تقدم اهبطوا ولما كان الهبوط الماضي يحتمل أن يكون من مكان من [ ص: 296 ] الجنة إلى أدنى منه ولم يخرجوا منها فكرره هنا للتأكيد تصويرا لشؤم المعصية وتبشيعا لها قال : منها أي الجنة جميعا أي لا يتخلف منكم أحد سواء كان ذلك في آن واحد أو على التعاقب ، وعهدنا إليهم عند الهبوط إلى دار التكليف أنا نأتيهم بالهدى ليؤديهم إلى الجنة مرة أخرى واعدين من اتبع متوعدين من امتنع ، فقلنا : فإما يأتينكم [ ص: 297 ] وقال الحرالي : مورد هذه الآية بغير عطف إشعار بأن ظاهرها افتتاح لم يتقدمه إيجاء بباطن كما تقدم في السابقة ، وتكرر الإهباطان من حيث إن الأول إهباط لمعنى القرار في الدنيا والاغتذاء فيها وذرء الذرية وأعمال أمر العداوة التي استحكمت بين الخلقين من آدم وإبليس ، وهذا الإهباط الثاني إهباط عن مكانة الرتبة الآمرية الدينية التي كانت خفية في أمر آدم ظاهرة في أمر إبليس ، وفي قوله : جميعا إشعار بكثرة ذرء الخلقين وكثرة الأحداث في أمر الديانة من النقلين . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 298 ] وخص في إبراز الضمير بمحض الإفراد من غير إيراد بمظهر العظمة إبعادا عن الوهم فقال : مني هدى أي بالكتب والرسل ، ولما كان الهدى الذي هو البيان لا يستلزم الاهتداء قال : فمن تبع أي أدنى اتباع يعتد به ، ولذلك اكتفى في جزائه بنفي الخوف الذي قد يكون عن توبة من ضلال بخلاف ما في " طه " كما يأتي إن شاء الله تعالى . والتبع السعي إثر علم الهدى - قاله الحرالي . " هداي " أي المنقول [ ص: 299 ] أو المعقول ، فالثاني أعم من الأول . لأنه أعم من أن يكون منقولا عن الرسل أو معقولا بالقياس على المنقول عنهم ، أو بمحض العقل كما وقع لورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وأضرابهما المشار إليهم بالقليل في قوله تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا قال العارف شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي في كتابه " رشف النصائح الإيمانية " : فالعقل حجة الله الباطنة ، والقرآن حجة الله الظاهرة . قال الحرالي : وجاء " هداي " شائعا ليعم رفع الخوف والحزن من تمسك بحق ما من الحق الجامع ، وأدناه من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فيما بينه وبين الحق وفيما بينه وبين الخلق . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الخوف أشد لأنه يزداد بمر الزمان ، والحزن يخف ، قدمه فقال : فلا خوف عليهم أي من شيء آت فإن الخوف اضطراب النفس من توقع فعل ضار - قاله الحرالي . ولا هم يحزنون أي على شيء فات ، لأنهم ينجون من النار ويدخلون الجنة . والحزن كما قال الحرالي : توجع القلب لأجل نازح قد كان في الوصلة به روح ، والقرب [ ص: 300 ] منه راحة ، وجاء في الحزن بلفظ " هم " لاستبطانه ، وبالفعل لأنه باد من باطن تفكرهم في فائتهم ، وجاء نفي الخوف منعزلا عن فعلهم لأنه من خوف باد عليهم من غيرهم . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية