الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 443 ] ولما أثنى الله سبحانه وتعالى على المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم بما هم أهله، عقب التابعين لهم بإحسان ما يوجب لهم الثناء فقال عاطفا على المهاجرين فيقتضي التشريك معهم، أو على أصل القصة من عطف الجمل: والذين جاءوا أي من أي طائفة كانوا، [ولما كان المراد] المجيء ولو في زمن يسير، أثبت الجار فقال: من بعدهم أي بعد المهاجرين والأنصار وهم من آمن بعد انقطاع الهجرة بالفتح وبعد إيمان الأنصار الذين أسلموا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، ثم ذكر الخبر أو الحال على [نحو] ما مضى في الذي قبله فقال تعالى: يقولون أي على سبيل التجديد والاستمرار تصديقا لإيمانهم بدعائهم لمن سنه لهم: ربنا أي [أيها] المحسن إلينا بإيجاد من مهد الدين قبلنا. ولما كان الإنسان وإن اجتهد موضعا للنقصان قال ملقنا لنا: اغفر أي أوقع الستر [على] النقائص أعيانها وآثارها لنا ولما بدؤوا بأنفسهم، ثنوا بمن كان السبب في إيمانهم فقالوا: ولإخواننا أي في الدين فإنه أعظم أخوة، وبينوا العلة بقولهم: الذين سبقونا بالإيمان ولما لقنهم سبحانه حسن الخلافة لمن مهد لهم ما هم فيه، أتبعه تلقين ما يعاشرون به أعضادهم الذين هم [ ص: 444 ] معهم على وجه يعم من قبلهم، فقال معلما بأن الأمر كله بيده حثا على الالتجاء إليه من أخطار النفس التي هي أعدى الأعداء: ولا تجعل وأفهم قوله: في قلوبنا أن رذائل النفس قل أن تنفك وأنها إن كانت مع صحة القلب أوشك أن [لا] تؤثر غلا أي ضغنا وحسدا وحقدا وهو [حرارة و]غليان يوجب الانتقام للذين آمنوا أي أقروا بالإيمان وإن كانوا في أدنى درجاته.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا دعاء جامعا للخير، لقنهم ما يجيبهم في لزومه والتخلق به مع ما فيه من التملق للإله والتعريض له بقوة الرجاء فقال: ربنا أي أيها المحسن إلينا بتعليم ما لم نكن نعلم، وأكدوا إعلاما بأنهم يعتقدون ما يقولونه وإن ظهر من أفعالهم ما يقدح في اعتقادهم ولو في بعض الأوقات فقالوا: إنك رءوف أي راحم أشد الرحمة لمن كانت له بك وصلة بفعل من أفعال الخير رحيم مكرم غاية الإكرام لمن أردته ولو لم يكن له وصلة، فأنت جدير بأن تجيبنا لأنا بين أن يكون لنا وصلة فنكون من أهل الرأفة، أو لا فنكون من أهل الرحمة، فقد أفادت هذه الآية أن من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة رضي الله عنهم [ ص: 445 ] فليس ممن عنى الله بهذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية