الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما وصفها بالفوران، بين سببه تمثيلا لشدة اشتعالها عليهم فقال: تكاد تميز أي تقرب [ من -] أن ينفصل بعضها من [ ص: 235 ] بعض كما يقال: يكاد فلان ينشق من غيظه وفلان غضب فطارت شقة منه في الأرض وشقة في السماء - كناية عن شدة الغضب من الغيظ أي عليهم، كأنه حذف إحدى التاءين إشارة إلى أنه يحصل [ منها -] افتراق واتصال على وجه من السرعة لا يكاد يدرك حق الإدراك، وذلك كله لغضب سيدها، وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمام لكل زمام سبعون ألف ملك يقودونها به، وهي شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعا وتحطم أهل المحشر فلا يردها عنهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم يقابلها بنوره فترجع مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر [ به -] أن يقتلع الأرض وما عليها من الجبال ويصعد بها في الجو فعل من غير كلفة، وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفخة كما رواه الجماعة إلا الترمذي وهذا لفظ أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر صلاته إلى أن قال: ثم نفخ في آخر سجوده. فقال: أف أف ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون" وفي رواية النسائي أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لقد أدنيت مني النار حتى جعلت ألفتها خشية أن تغشاكم" .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر سبحانه حالها، أتبعه حالهم في تعذيب القلب باعتقادهم [ ص: 236 ] أنهم ظلمة على وجه، بين السبب في عذابهم زجرا عنه فقال: كلما ولما كان المنكئ مجرد الإلقاء بني للمفعول دلالة على ذلك وعلى حقارتهم بسهولة إلقائهم قوله: ألقي فيها أي جهنم بدفع الزبانية بهم الذين هم أغيظ عليهم من النار فوج أي جماعة هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق سألهم أي ذلك الفوج خزنتها أي النار سؤال توبيخ وتقريع وإرجاف.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل: ما كان سؤالهم؟ قال: قالوا موبخين لهم مبكتين محتجين عليهم في استحقاقهم العذاب زيادة في عذابهم بتعذيب أرواحهم بعد تعذيب أشباحهم: ألم يأتكم أي في الدنيا نذير أي يخوفكم هذا العقار ويذكركم بما حل بكم وبما حل ممن قبلكم من المثلاث، لتكذيبهم بالآيات، ويقرأ عليكم الكتب المنزلات

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية