الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما نهاه صلى الله عليه وسلم عن طاعة المكذبين وحذره إدهانهم وضرب لهم الأمثال، وتوعدهم إلى أن قال: فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم وختم بقصة يونس عليه السلام للتدريب على الصبر وعدم الضعف ولو بالصغو إلى المدهن، فكان التقدير تسبيبا عما فيها من النهي: فإنهم إنما يبالغون في أذاك لتضجر فتترك ما أنت فيه، قال عاطفا على [ هذا -] المقدر مخبرا له بما في صدورهم من الإحن عليه وفي قلوبهم من الضغائن له ليشتد حذره من إدهانهم، مؤكدا لأن من يرى إدهانهم يظن إذعانهم وينكر لمبالغتهم فيه طغيانهم: [ ص: 334 ] وإن أي وإنه يكاد وأظهر موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف فقال: الذين كفروا أي ستروا ما قدروا عليه مما جئت به من الدلائل.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت [ "ن" -] مخففة، أتى باللام التي هي علمها فقال: ليزلقونك أي من شدة عداوتهم وحسدهم وغيظ قلوبهم بأبصارهم أي يوجدون لك التنحية عما أنت فيه والزلل العظيم الذي صاحبه في موضع دحض لا مستمسك فيه بالهلاك فما دونه من الأذى حتى يرموك من قامتك إلى الأرض كما يزلق الإنسان فينطرح لما يتراءى في عيونهم حين تصويب [ النظر -] للفطن من الحنق والسخط الدال على أن صدورهم تغلي، وهو من قولهم: نظر إلي نظرا كاد يصرعني، [ يعني -] لو أمكنه أن يصرعني به لصرعني كما قال تعالى يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا وقيل: يهلكونك بإصابة العين، قال القشيري: كانوا إذا أرادوا أن يصيبوا شيئا بأعينهم جاعوا ثلاثة أيام ثم نظروا إلى ذلك الشيء وقال: ما أحسنه من شيء، فيسقط المنظور إليه في الوقت، ففعلوا ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما أنصحه من رجل، فحفظه الله منهم، وللشيخين عن أبي هريرة [ ص: 335 ] رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

                                                                                                                                                                                                                                      "العين حق" وفي رواية عند أحمد وابن ماجة : "يحضر بها الشيطان وحسد ابن آدم" ولأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه: "العين حق ولو أن شيئا سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا" ولأبي نعيم في الحلية من حديث جابر رضي الله عنه رفعه: "العين حق تدخل الجمل القدر والرجل القبر" ولأبي داود من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: "وإنها لتدرك الفارس فتدعثره" .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر هذا الإزلاق العظيم، ذكر ظرفه معبرا بالماضي تذكيرا بالحال الماضية فقال: لما سمعوا الذكر أي القرآن الذي [ غلب -] عليه التذكير بأمور يعليها كل أحد من نفسه، ومن الآفاق كان هواياه أول ما سمعوه حسدا على ما أوتيت من الشرف فكان سماعهم له باعثا لما عندهم من البغض والحسد على أنه لم يزدهم تمادي الزمان إلا حنقا بدلالة ويقولون أي قولا لا يزالون يجددونه.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان صلى الله عليه وسلم في غاية البعد عما يشين، أكدوا قولهم: إنه لمجنون حيرة في أمرك وتنفيرا عنك لما يعلمون من أنه لا يسمعه أحد لا غرض له إلا كذبهم ومال بكليته إليك وكان [ ص: 336 ] معك وارتبط بك واغتبط بما جئت به، وعن الحسن أن قراءة هذه الآية دواء للإصابة بالعين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية