الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم علل ذلك بأبلغ حث على الهجرة؛ فقال: إن الذين توفاهم الملائكة ؛ أي: تقبض أرواحهم كاملة؛ على ما عندهم من نقص بعض المعاني؛ بما تركوا من ركن الهجرة؛ بما أشار إليه حذف التاء؛ وفي الحذف إرشاد إلى أنه إذا ترك من يسعى في جبره بصدقة؛ أو حج؛ ونحوه من أفعال البر؛ جبر؛ لأن الأساس الذي تبنى عليه الأعمال الصالحة موجود؛ وهو الإيمان؛ ظالمي أنفسهم ؛ أي: بالقعود عن الجهاد؛ بترك الهجرة؛ والإقامة في بلاد الحرب؛ حيث لا يتمكنون من إقامة شعائر الدين كلها؛ قالوا ؛ أي: الملائكة؛ موبخين لهم؛ فيم كنتم ؛ أي: في أي شيء من الأعمال والأحوال كانت إقامتكم في بلاد الحرب؟

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان المراد من هذا السؤال التوبيخ؛ لأجل ترك الهجرة [ ص: 373 ] قالوا ؛ معتذرين؛ كنا مستضعفين في الأرض ؛ أي: أرض الكفار؛ لا نتمكن من إقامة الدين؛ وكأنهم أطلقوها إشارة إلى أنها عندهم لاتساعها؛ لكثرة الكفار؛ هي الأرض كلها؛ فكأنه قيل: هل قنع منهم بذلك؟ فقيل: لا؛ لأنهم لم يكونوا ضعفاء عن الهجرة؛ فكأنه قال: فما قيل لهم؟ فقيل: قالوا ؛ أي: الملائكة - بيانا لأنهم لم يكونوا ضعفاء عن الهجرة إلى موضع يأمنون فيه على دينهم -: ألم تكن أرض الله ؛ أي: المحيط بكل شيء؛ الذي له كل شيء؛ واسعة فتهاجروا ؛ أي: بسبب اتساعها؛ كل من يعاديكم في الدين؛ ضاربين فيها ؛ أي: إلى حيث يزول عنكم المانع؛ فالآية من الاحتباك: ذكر الجهاد أولا في: وفضل الله المجاهدين ؛ دليل على حذفه ثانيا؛ بعد ظالمي أنفسهم ؛ وذكر الهجرة ثانيا دليل على حذفها أولا؛ بالقعود عنها؛ ولذلك خص الطائفة الأولى بوعد الحسنى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما وبخوا على تركهم الهجرة؛ سبب عنه جزاؤهم؛ فقيل: فأولئك ؛ أي: البعداء من اجتهادهم لأنفسهم؛ مأواهم جهنم ؛ أي: لتركهم الواجب؛ وتكثيرهم سواد الكفار؛ وانبساطهم في [ ص: 374 ] وجوه أهل الناس؛ وساءت مصيرا ؛ روى البخاري؛ في التفسير؛ والفتن؛ عن ابن عباس - رضي الله (تعالى) عنهما - أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين؛ يكثرون سواد المشركين؛ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم فيقتله؛ أو يضرب فيقتل؛ فأنزل الله (تعالى): إن الذين توفاهم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية