الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما عرف من ذلك أن آيات الجهاد في هذه السورة معلمة للحذر؛ خوف الضرر؛ مرشدة إلى إتقان المكائد؛ للتخلص من الخطر؛ [ ص: 386 ] وكان ذلك مظنة لمتابعة النفس؛ والمبالغة فيه؛ وهو مظنة للتواني في أمر الجهاد; أتبع ذلك قوله (تعالى) - منبها على الجد في أمره؛ وأنه لم يدع في الصلاة؛ ولا غيرها؛ ما يشغل عنه؛ عاطفا على نحو: "فافعلوا ما أمرتكم به"؛ أو على: فأقيموا الصلاة -: ولا تهنوا ؛ أي: تضعفوا؛ وتتوانوا بالاشتغال بذكر؛ ولا صلاة؛ فقد يسرت ذلك لكم تيسيرا لا يعوق عن شيء من أمر الجهاد؛ في ابتغاء القوم ؛ أي: طلبهم بالاجتهاد؛ وإن كانوا في غاية القوة والقيام بالأمور; ثم علل ذلك بقوله: إن تكونوا تألمون ؛ أي: يحصل لكم ألم؛ ومشقة بالجهاد؛ من القتل وما دونه؛ فإنهم يألمون كما تألمون ؛ أي: لأنهم يحصل لهم من ذلك ما يحصل لكم؛ فلا يكونن على باطلهم أصبر منكم على حقكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين ما يكون مانعا لهم من الوهن دونهم؛ لأنه مشترك بينهم; بين ما يحملهم على الإقدام؛ لاختصاصه به؛ فقال: وترجون ؛ أي: أنتم؛ من الله ؛ أي: الذي له جميع الأسماء الحسنى؛ والصفات العلا؛ ما لا يرجون ؛ أي: من النصر؛ والعزم؛ والكرم؛ واللطف؛ لأنكم تقاتلون فيه؛ وهم يقاتلون في الشيطان؛ وهذا لكل من يأمر بالمعروف؛ وينهى عن المنكر؛ سواء كان ذلك في جهاد الكفار؛ أو لا. [ ص: 387 ] ولما كان العلم مبنى كل خير؛ وكانت الحكمة التي هي نهاية العلم؛ وغاية القدرة؛ مجمع الصفات العلا؛ قال (تعالى): وكان الله ؛ أي: الآمر لكم بهذه الأوامر؛ وهو المحيط بكل شيء؛ عليما ؛ أي: بالغ العلم؛ فهو لا يأمر إلا بما يكون بالغ الحسن؛ مصلحا للدين؛ والدنيا؛ حكيما ؛ فهو يتقن لمن يأمره الأحوال؛ ويسدده في المقال؛ والفعال؛ فمن علم منه خيرا أراده ورقاه في درج السعادة؛ ومن علم منه شرا كاده؛ فنكس مبدأه ومعاده.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية