الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما انقضت هذه المحاورة وما أنتجته من بغيض الموالاة والمجاورة وكان حاصلها أنها موالاة من ضرت موالاته ، أتبعها - سبحانه - بمحاورة أخرى حاصلها معاداة من ضرت معاداته - فقال مبدلا من الأولى إتماما للتقريع والتوبيخ والتشنيع : يا معشر الجن قدمهم لأن السياق لبيان غلبتهم والإنس وبكتهم بقوله محذرا للسامعين الآن ومستعطفا لهم [ ص: 272 ] إلى التوبة : ألم يأتكم رسل ولما صار القبيلان بتوجيه الخطاب نحوهم دفعة كالشيء الواحد قال : منكم وإن كان الرسل من الإنس خاصة .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان النظر في هذه السورة إلى العلم غالبا لإثبات تمام القدرة الذي هو من لوازمه بدليل يعلم سركم وجهركم أليس الله بأعلم بالشاكرين وعنده مفاتح الغيب وغيرها ، ولذلك أكثر فيها من ذكر التفصيل الذي لا يكون إلا للعالم ، كان القص - الذي هو تتبع الأثر - أنسب لذلك فقال يقصون بالتلاوة والبيان لمواضع الدلائل عليكم آياتي أي : يتبعون بالعلامات التي يحق لها بما لها من الجلال والعظمة أن تنسب إلى مواضع شبهكم ، فيحلونها حلا مقطوعا به وينذرونكم أي : يخوفونكم لقاء يومكم هذا أي : بما قالوا لكم إنه يطلبكم طلبا حثيثا وأنتم صائرون إليه في سفن الأيام ومراكب الآثام وأنتم لا تشعرون سيرا سريعا قالوا معذرين من أنفسهم بالذل والخضوع شهدنا بما فعلت بنا أنت – سبحانك - من المحاسن وما فعلنا نحن من القبائح على أنفسنا أي : بإتيان الرسل إلينا ونصيحتهم لنا بدليل الآية الأخرى

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين وبين أن ضلالهم كان بأردإ الوجوه وأسخفها الدنيا ، بحيث إنهم اغتروا بها مع دناءتها لحصورها عن الآخرة مع شرفها لغيابها ، فقال : وغرتهم [ ص: 273 ] أي : شهدوا هذه الشهادة والحال أنهم قد غرتهم الحياة الدنيا أي : الحاضرة عندهم إذ ذاك الدنية في نفسها لفنائها ، عن اتباع الرسل دأب الجاهل في الرضى بالدون والدابة في القناعة بالحاضر ، فشهادتهم ضارة بهم ، ولكن لم يستطيعوا كتمانها ، بل وشهدوا أي : في هذا الموطن من مواطن القيامة الطوال على أنفسهم أيضا بما هو أصرح في الضرر عليهم من هذا ، وهو أنهم كانوا جبلة وطبعا كافرين أي : غريقين في الكفر ، ويجوز أن يكون الغرور بأنهم ظنوا أحوال الآخرة تمشي على ما كانوا يألفونه في الدنيا من أن الاعتراف بالذنب والتكلم بالصدق قد ينفع المذنب ويكف من سورة المغضب حتى يترك العقاب ويصفح عن الجريمة ، فلذلك شهدوا بإتيان الرسل إليهم وإقامة الحجة عليهم ، وشهدوا على أنفسهم بالكفر ، فما زادهم ذلك إلا وبالا وحزنا ونكالا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية