الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما صدق الحق ، وانكسر جند الباطل واندق ببطلان [ ص: 314 ] جميع شبههم ، ونطقت الدلائل وأفحم المجادل ، فبان أنه لا شاهد لهم بحق لأنه لا حق لهم - كان كأنه قيل : قل لهم : ها أنا قد شهد لي بما قلته من لا ترد شهادته وزكاني الذي لا يقبل إلا تزكيته بهذا الكتاب الذي كان عجزكم عن الإتيان بشيء من مثله شاهدا بأنه قوله ، فهل لكم أنتم من شاهد يقبل! ولما لم يكن لهم شاهد غير متخرصيهم ، فإن المبطل يظهر باطله عند المحاققة سنة من الله مستمرة ، فيظهر للمشهود لهم بما يلوح من بهتهم أنهم ليسوا على شيء - أمره - سبحانه - أن يأمرهم بدعائهم ليظهر خزيهم وتشتهر فضيحتهم ، فقال : قل هلم أي : أحضروا ، وهي كلمة دعوة يستوي فيها المذكر والمؤنث والواحد والجمع عند الحجازيين شهداءكم

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل : أي شهداء؟ قال : الذين يشهدون أي : يوقعون الشهادة على أن الله أي : الذي لا حكم لغيره حرم هذا أي : الذي ذكرتموه من قبل ، وإضافة الشهداء إليهم ووصفهم بـ (الذين) دليل على أنهم معروفون موسومون بنصرة مذهبهم بالباطل ، ولو قال : (شهداء) - من غير إضافة لأفهم أن المطلوب من يشهد بالحق وليس كذلك ؛ لأنه أقيم الدليل العقلي على أنه لا حجة لهم وأن الحجة [ ص: 315 ] لله على خلاف ما ادعوه ، فبطل قطعا أن يكون أحد يشهد على ذلك بحق .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل : فإنهم إذا أحضروا لا يقدرون - إن كان لهم عقل أو فيهم حياء - على النطق إذا سمعوا هذا الحق ، بني عليه قوله : فإن اجترؤوا بوقاحة شهدوا أي : كذبا وزورا بذلك الذي أبطلناه بالأدلة القطعية فلا تشهد معهم أي : فاتركهم ولا تسلم لهم ، فإنهم على ضلال وليست شهادتهم مستندة إلا إلى الهوى ولا تتبع أهواء وأظهر موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف دلالة على أن القائد إلى التكذيب وكل ردى إنما هو الهوى ، وأن من خالف ظاهر الآيات إنما هو صاحب هوى ، فقال : الذين كذبوا أي : أوقعوا التكذيب بآياتنا أي : على ما لها من الظهور بما لها من العظمة بإضافتها إلينا .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما وصفهم بالتكذيب - أتبعه الوصف بعدم الإيمان ، ودل بالنسق بالواو على العراقة في كل من الوصفين فقال : والذين لا يؤمنون بالآخرة أي : التي هي دار الجزاء ، فإنهم لو جوزوها ما اجترؤوا على الفجور وهم بربهم أي : الذين لا نعمة عليهم ولا خير عندهم إلا وهو منه وحده يعدلون أي : يجعلون غيره عديلا له ، وسيعلمون حين يقولون لشركائهم وهم في جهنم يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية