الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 445 ] سورة المعارج

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      آ. (1) قوله: سأل : قرأ نافع وابن عامر بألف محضة. والباقون بهمزة محققة، وهي الأصل، وهي اللغة الفاشية. ثم لك في "سأل" وجهان، أحدهما: أن يكون قد ضمن معنى دعا; فلذلك تعدى بالباء، كما تقول: دعوت بكذا. والمعنى: دعا داع بعذاب. والثاني: أن يكون على أصله. والباء بمعنى عن، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      4326 - فإن تسألوني بالنساء. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      "فاسأل به خبيرا"، وقد تقدم تحقيقه. والأول أولى; لأن التجوز في الفعل أولى منه في الحرف لقوته.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما القراءة بالألف ففيها ثلاثة أوجه، أحدها: أنها بمعنى قراءة الهمزة، وإنما خففت بقلبها ألفا، وليس بقياس تخفيف مثلها، بل قياس تخفيفها جعلها بين بين. والباء على هذا الوجه كما في الوجه الذي [ ص: 446 ] تقدم. الثاني: أنها من سال يسال مثل خاف يخاف. وعين الكلمة واو. قال الزمخشري : "وهي لغة قريش يقولون: سلت تسال، وهما يتسايلان". قال الشيخ : وينبغي أن يتثبت في قوله: إنها لغة قريش، لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز، أو أصله الهمز، كقراءة من قرأ "وسلوا الله من فضله" إذ لا جائز أن يكون من "سال" التي عينها واو، إذ كان يكون ذلك "وسالوا الله" مثل "خافوا"، فيبعد أن يجيء ذلك كله على لغة غير قريش، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم إلا يسيرا، فيه لغة غيرهم. ثم في كلام الزمخشري "وهما يتسايلان" بالياء، وهو وهم من النساخ، إنما الصواب: يتساولان بالواو، لأنه صرح أولا أنه من السوال يعني بالواو الصريحة، وقد حكى أبو زيد عن العرب: "هما يتساولان". الثالث: أنها من السيلان. والمعنى: سال واد في جهنم بعذاب، فالعين ياء، ويؤيده قراءة ابن عباس "سال سيل". قال الزمخشري : "والسيل مصدر في معنى السائل كالغور بمعنى الغائر. والمعنى: اندفع عليهم وادي عذاب". انتهى. والظاهر الوجه الأول لثبوت ذلك لغة مشهورة قال:


                                                                                                                                                                                                                                      4327 - سالت هذيل رسول الله فاحشة     ضلت هذيل بما سالت ولم تصب



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 447 ] وقرأ أبي وعبد الله "سال سال" مثل "مال" وتخريجها: أن الأصل "سائل" فحذفت عين الكلمة وهي الهمزة، واللام محل الإعراب وهذا كما قيل: "هذا شاك" في شائك السلاح وقد تقدم الكلام على مادة السؤال في أول البقرة، فعليك باعتباره.

                                                                                                                                                                                                                                      والباء تتعلق بـ "سال" من السيلان تعلقها بـ "سال الماء بزيد". وجعل بعضهم الباء متعلقة بمصدر دل عليه فعل السؤال، كأنه قيل: ما سؤالهم؟ فقيل: سؤالهم بعذاب، كذا حكاه الشيخ عن الإمام فخر الدين، ولم يعترضه. وهذا عجب; فإن قوله أولا "إنه متعلق بمصدر دل عليه فعل السؤال" ينافي تقديره بقوله: "سؤالهم بعذاب"; لأن الباء في هذا التركيب المقدر تتعلق بمحذوف لأنها خبر المبتدأ، لا بالسؤال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "وعن قتادة: سأل سائل عن عذاب الله بمن ينزل وعلى من يقع؟ فنزلت، و"سأل" على هذا الوجه مضمن معنى عني واهتم".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية