الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (15) قوله: إنها لظى نزاعة : في الضمير ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ضمير النار، وإن لم يجر لها ذكر لدلالة لفظ "عذاب" عليها. والثاني: أنه ضمير القصة. الثالث: أنه ضمير مبهم يترجم عنه [ ص: 456 ] الخبر، قاله الزمخشري . وقد تقدم تحقيق ذلك في قوله تعالى: " إن هي إلا حياتنا الدنيا " . فعلى الأول يجوز في لظى نزاعة أوجه: أن يكون "لظى" خبر "إن"، أي: إن النار لظى، و"نزاعة" خبر ثان، أو خبر مبتدأ مضمر، أي: هي نزاعة، أو يكون "لظى" بدلا من الضمير المنصوب، و"نزاعة" خبر إن، وعلى الثاني يكون "لظى نزاعة" جملة من مبتدأ وخبر، في محل الرفع خبرا لـ "إن" مفسرة لضمير القصة، وكذا على الوجه الثالث. ويجوز أن يكون "نزاعة" صفة لـ "لظى" إذا لم تجعلها علما; بل بمعنى اللهب، وإنما أنث النعت فقيل: "نزاعة" لأن اللهب بمعنى النار، قاله الزمخشري وفيه نظر لأن "لظى" ممنوعة من الصرف اتفاقا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ بعد حكايته الثالث عن الزمخشري: "ولا أدري ما هذا المضمر الذي ترجم عنه الخبر؟ وليس هذا من المواضع التي يفسر فيها المفرد الضمير، ولولا أنه ذكر بعد هذا "أو ضمير القصة" لحملت كلامه عليه". قلت: متى جعله ضميرا مبهما لزم أن يكون مفسرا بمفرد، وهو إما "لظى"، على أن يكون "نزاعة" خبر مبتدأ مضمر، وإما "نزاعة" على أن يكون "لظى" بدلا من الضمير، وهذا أقرب. ولا يجوز أن يكون "لظى نزاعة" مبتدأ وخبرا، والجملة خبر لـ "إن" على أن يكون الضمير مبهما لئلا يتحد القولان، أعني هذا القول وقول إنها ضمير القصة، ولم يعهد ضمير مفسر بجملة إلا ضمير الشأن والقصة. [ ص: 457 ] وقراءة الرفع في "نزاعة" هي قراءة العامة. وقرأ حفص وأبو حيوة والزعفراني واليزيدي وابن مقسم "نزاعة" بالنصب. وفيها وجهان، أحدهما: أن ينتصب على الحال. وفي صاحبها أوجه، أحدهما: أنه الضمير المستكن في "لظى" لأنها، وإن كانت علما، فهي جارية مجرى المشتقات كالحارث والعباس، وذلك لأنها بمعنى التلظي، وإذا عمل العلم الصريح والكنية في الظروف فلأن يعمل العلم الجاري مجرى المشتقات في الأحوال أولى وأحرى. ومن مجيء ذلك قوله:

                                                                                                                                                                                                                                      4330 - أنا أبو المنهال بعض الأحيان

                                                                                                                                                                                                                                      ضمنه معنى "أنا المشهور في بعض الأحيان". الثاني: أنه فاعل "تدع "وقدمت حاله عليه، أي: تدعو حال كونها نزاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون هذه الحال مؤكدة، لأن "لظى" هذا شأنها، وهو معروف من أمرها، وأن تكون منتقلة; لأنه أمر توقيفي. الثالث: أنه محذوف هو والعامل، تقديره: تتلظى نزاعة. ودل عليه "لظى".

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني من الوجهين الأولين: أنها منصوبة على الاختصاص. وعبر عنه الزمخشري بالتهويل، كما عبر عن وجه رفعها على خبر ابتداء مضمر، والتقدير: أعني نزاعة، وأخصها. وقد منع المبرد نصب "نزاعة" قال: "لأن الحال إنما يكون فيما يجوز أن يكون وأن لا يكون، و"لظى" [ ص: 458 ] لا تكون إلا نزاعة، قاله عند مكي، ورد عليه بقوله تعالى: وهو الحق مصدقا ، وهذا صراط ربك مستقيما قال:" فالحق لا يكون إلا مصدقا، وصراط ربك لا يكون إلا مستقيما". قلت: المبرد بنى الأمر على الحال المبينة، وليس ذلك بلازم; إذ قد وردت الحال مؤكدة، كما أورده مكي وإن كان خلاف الأصل.

                                                                                                                                                                                                                                      واللظى في الأصل: اللهب. ونقل علما لجهنم، ولذلك منع من الصرف. والشوى: الأطراف جمع شواة كنوى ونواة. وقيل: الشوى: الأعضاء التي ليست بمقتل، ومنه: رماه فأشواه، أي: لم يصب مقتله. وقيل: الشوى: جمع شواة، وهي جلدة الرأس، وأنشد للأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      4331- قالت قتيلة ماله قد جللت شيبا شواته



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو جلد الإنسان. والشوى أيضا: رذال المال، والشيء اليسير. و"تدعو" يجوز أن يكون خبرا لإن، أو خبرا لمبتدأ محذوف، أو حال من "لظى"، أو من "نزاعة" على القراءتين فيها; لأنها تتحمل ضميرا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية