الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (2) قوله: أمشاج : نعت لـ "نطفة" ووقع الجمع صفة لمفرد; لأنه في معنى الجمع، كقوله تعالى: رفرف خضر أو جعل كل جزء من النطفة نطفة، فاعتبر ذلك فوصف بالجمع، وقال الزمخشري : "أمشاج كبرمة أعشار، وبرد أكياش وهي ألفاظ [ ص: 592 ] مفردة غير جموع; ولذلك تقع صفات للأفراد"، ويقال: نطفة مشج، قال الشماخ:


                                                                                                                                                                                                                                      4433- طوت أحشاء مرتجة لوقت على مشج سلالته مهين



                                                                                                                                                                                                                                      ولا يصح "أمشاج" أن يكون تكسيرا له، بل هما مثلان في الإفراد لوصف المفرد بهما. فقد منع أن يكون أمشاجا جمع "مشج" بالكسر. قال الشيخ : وقوله مخالف لنص سيبويه والنحويين على أن أفعالا لا يكون مفردا. قال سيبويه : "وليس في الكلام "أفعال" إلا أن يكسر عليه اسما للجميع، وما ورد من وصف المفرد بأفعال تأولوه". انتهى. قلت: هو لم يجعل أفعالا مفردا، إنما قال: يوصف به المفرد، يعني بالتأويل الذي ذكرته من أنهم جعلوا كل قطعة من البرمة برمة، وكل قطعة من البرد بردا، فوصفوهما بالجمع. وقال الشيخ : "الأمشاج": [ ص: 593 ] الأخلاط، واحدها مشج بفتحتين، أو مشج كعدل وأعدال أو مشيج كشريف وأشراف، قاله ابن الأعرابي. وقال رؤبة :


                                                                                                                                                                                                                                      4434- يطرحن كل معجل نشاج     لم يكس جلدا من دم أمشاج



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الهذلي:


                                                                                                                                                                                                                                      4435- كأن الريش والفوقين منها     خلاف النصل سيط به مشيج



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشماخ:


                                                                                                                                                                                                                                      4436- طوت أحشاء مرتجة. . . . . .      . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      البيت. ويقال: "مشج يمشج مشجا إذا خلط، ومشيج كخليط وممشوج كمخلوط". انتهى. فجوز أن يكون جمعا لـ "مشج" كعدل، وقد تقدم أن الزمخشري منع ذلك. وقال الزمخشري : "ومشجه ومزجه بمعنى، والمعنى: من نطفة امتزج فيها الماءان". [ ص: 594 ] قوله: نبتليه يجوز في هذه الجملة وجهان، أحدهما: أنها حال من فاعل "خلقنا"، أي: خلقنا حال كوننا مبتلين له. والثاني: أنها حال من "الإنسان"، وصح ذلك لأن في الجملة ضميرين كل منهما يعود على ذي الحال. ثم هذه الحال يجوز أن تكون مقارنة إن كان المعنى بـ "نبتليه": نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة. وهو قول ابن عباس، وأن تكون مقدرة إن كان المعنى بـ "نبتليه": نختبره بالتكليف; لأنه وقت خلقه غير مكلف. وقال الزمخشري : "ويجوز أن يكون المراد: ناقلين له من حال إلى حال، فسمي ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة". قلت: هذا هو معنى قول ابن عباس المتقدم. وقال بعضهم: "في الكلام تقديم وتأخير. والأصل: إنا جعلناه سميعا بصيرا نبتليه، أي: جعلنا له ذلك للابتلاء"، وهذا لا حاجة إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية