الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (14) قوله: ودانية : العامة على نصبها وفيها أوجه، أحدها: أنها عطف على محل "لا يرون". الثاني: أنها معطوفة على "متكئين"، فيكون فيها ما فيها. قال الزمخشري : "فإن قلت: ودانية عليهم ظلالها، علام عطف؟ قلت: على الجملة التي قبلها، لأنها في موضع الحال من المجزيين، وهذه حال مثلها عنهم، لرجوع الضمير منها إليهم في "عليهم" إلا أنها اسم مفرد، وتلك جماعة في حكم مفرد، تقديره: غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية. ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم. كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها: بين البعد عن الحر والقر ودنو الظلال عليهم. الثالث: أنها صفة لمحذوف أي: وجنة دانية، قاله أبو البقاء . الرابع: أنها صفة لـ "جنة" الملفوظ بها، قاله الزجاج. [ ص: 606 ] وقرأ أبو حيوة "ودانية" بالرفع. وفيها وجهان، أظهرهما: أن يكون "ظلالها" مبتدأ و"دانية" خبر مقدم. والجملة في موضع الحال. قال الزمخشري : "والمعنى: لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، والحال أن ظلالها دانية عليهم". والثاني: أن ترتفع "دانية" بالابتداء، و"ظلالها" فاعل به، وبها استدل الأخفش على جواز إعمال اسم الفاعل، وإن لم يعتمد نحو: "قائم الزيدون"، فإن "دانية" لم يعتمد على شيء مما ذكره النحويون، ومع ذلك فقد رفعت "ظلالها" وهذا لا حجة له فيه; لجواز أن يكون مبتدأ وخبرا مقدما كما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : "وحكي بالجر أي: في جنة دانية. وهو ضعيف; لأنه عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار". قلت: يعني أنه قرئ شاذا "ودانية" بالجر على أنها صفة لمحذوف، ويكون حينئذ نسقا على الضمير المجرور بالجر من قوله: "لا يرون فيها"، أي: ولا في جنة دانية. وهو رأي الكوفيين: حيث يجوزون العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار; ولذلك ضعفه، وقد تقدم الكلام في ذلك مشبعا في البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما رفع "ظلالها" فيجوز أن يكون مبتدأ و"عليهم" خبر مقدم، ولا يرتفع بـ "دانية"; لأن "دنا" يتعدى بـ "إلى" لا بـ "على". والثاني: أنها مرفوعة بـ "دانية" على أن تضمن معنى "مشرفة" لأن "دنا" و"أشرف" [ ص: 607 ] يتقاربان، قال معناه أبو البقاء ، وهذان الوجهان جاريان في قراءة من نصب "دانية" أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الأعمش "ودانيا" بالتذكير للفصل بين الوصف وبين مرفوعه بـ "عليهم"، أو لأن الجمع مذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي "ودان عليهم" بالتذكير مرفوعا، وهي شاهدة لمذهب الأخفش، حيث يرفع باسم الفاعل. وإن لم يعتمد. ولا جائز أن يعربا مبتدأ وخبرا مقدما لعدم المطابقة. وقال مكي : وقرئ "دانيا"، ثم قال: ويجوز "ودانية" بالرفع، ويجوز "دان" بالرفع والتذكير، ولم يصرح بأنهما قرئا، وقد تقدم أنهما مقروء بهما فكأنه لم يطلع على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وذللت يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال عطفا على "دانية" فيمن نصبها أي: ومذللة. ويجوز أن تكون حالا من الضمير في "عليهم" سواء نصبت "دانية" أو رفعتها، أم جررتها. ويجوز أن تكون مستأنفة. وأما على قراءة رفع "ودانية" فتكون جملة فعلية عطفت على اسمية. ويجوز أن تكون حالا كما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية