الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ولقد بوأنا بني إسرائيل " أي : أنزلناهم منزل صدق ، أي منزلا كريما . وفي المراد ببني إسرائيل قولان : أحدهما : أصحاب موسى . والثاني : قريظة والنضير . وفي المراد بالمنزل الذي أنزلوه خمسة أقوال : أحدها : أنه الأردن ، وفلسطين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : الشام ، وبيت المقدس ، قاله الضحاك وقتادة . والثالث : مصر ، روي عن الضحاك أيضا . والرابع : بيت المقدس ، قاله مقاتل . والخامس : ما بين المدينة والشام من أرض يثرب ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري . والمراد بالطيبات : ما أحل لهم من الخيرات [ ص: 63 ] الطيبة . " فما اختلفوا " يعني بني إسرائيل . قال ابن عباس : ما اختلفوا في محمد ، لم يزالوا به مصدقين ، " حتى جاءهم العلم " يعني : القرآن ، وروي عنه : حتى جاءهم العلم ، يعني محمدا . فعلى هذا يكون العلم هاهنا : عبارة عن المعلوم . وبيان هذا أنه لما جاءهم ، اختلفوا في تصديقه ، وكفر به أكثرهم بغيا وحسدا بعد أن كانوا مجتمعين على تصديقه قبل ظهوره .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فإن كنت في شك " في تأويل هذه الآية ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره من الشاكين ، بدليل قوله في آخر السورة : إن كنتم في شك من ديني [يونس :105] ، ومثله قوله : يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما [الأحزاب :1] ثم قال : بما تعملون خبيرا [الأحزاب :2] ولم يقل : بما تعمل ، وهذا قول الأكثرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو المراد به . ثم في المعنى قولان : أحدهما : أنه خوطب بذلك وإن لم يكن في شك ، لأنه من المستفيض في لغة العرب أن يقول الرجل لولده : إن كنت ابني فبرني ، ولعبده : إن كنت عبدي فأطعني ، وهذا اختيار الفراء . وقال ابن عباس : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك ، ولا سأل . والثاني : أن تكون " إن " بمعنى " ما " فالمعنى : ما كنت في شك " فاسأل " ، المعنى : لسنا نريد أن نأمرك أن تسأل لأنك شاك ، ولكن لتزداد بصيرة ، ذكره الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أن الخطاب للشاكين ، فالمعنى : إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزل إليك على لسان محمد ، فسل ، روي عن ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الذي أنزل إليه قولان : أحدهما : أنه أنزل إليه أنه رسول الله . والثاني : أنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 64 ] قوله تعالى : " فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك " وهم اليهود والنصارى . وفي الذين أمر بسؤالهم منهم قولان : أحدهما : من آمن ، كعبد الله بن سلام ، قاله ابن عباس ، ومجاهد في آخرين . والثاني : أهل الصدق منهم ، قاله الضحاك ، وهو يرجع إلى الأول ، لأنه لا يصدق إلا من آمن .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " لقد جاءك الحق من ربك " هذا كلام مستأنف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إن الذين حقت " أي : وجبت " عليهم كلمت ربك " أي : قوله . وبماذا حقت الكلمة عليهم ، فيه أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : باللعنة . والثاني : بنزول العذاب . والثالث : بالسخط . والرابع : بالنقمة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ولو جاءتهم كل آية " قال الأخفش : إنما أنث فعل " كل " لأنه أضافه إلى " آية " وهي مؤنثة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية