الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 118 ] قوله تعالى : " إن نقول " أي : ما نقول في سبب مخالفتك إيانا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبك إياها ، فالذي تظهر من عيبها لما لحق عقلك من التغيير . قال ابن قتيبة : يقال عراني كذا ، واعتراني : إذا ألم بي . ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك ، عار ، ومنه قول النابغة :


                                                                                                                                                                                                                                      أتيتك عاريا خلقا ثيابي على خوف تظن بي الظنون



                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إني أشهد الله " إلى آخر الآية . حرك ياء " إني " نافع . ومعنى الآية : إن كنتم تقولون : إن الآلهة عاقبتني لطعني عليها ، فإني على يقين من عيبها والبراءة منها ، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها ، " فكيدوني جميعا " أي : احتالوا أنتم وأوثانكم في ضري ، ثم لا تمهلون . قال الزجاج : وهذا من أعظم آيات الرسل ، أن يكون الرسول وحده ، وأمته متعاونة عليه ، فيقول لهم : كيدوني ، فلا يستطيع أحد منهم ضره ، وكذلك قال نوح لقومه : فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس :71] . وقال محمد صلى الله عليه وسلم : فإن كان لكم كيد فكيدون [المرسلات :39] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إلا هو آخذ بناصيتها " قال أبو عبيدة : المعنى : أنها في قبضته وملكه وسلطانه .

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل : لم خص الناصية ؟

                                                                                                                                                                                                                                      فالجواب : أن الناصية شعر مقدم الرأس ، فإذا أخذت بها من شخص ، فقد ملكت سائر بدنه ، وذل لك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " إن ربي على صراط مستقيم " قال مجاهد : على الحق ، وقال غيره : في الكلام إضمار ، تقديره : إن ربي يدل على صراط مستقيم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 119 ] فإن قيل : ما وجه المناسبة بين قوله : " إلا هو آخذ بناصيتها " وبين كونه على صراط مستقيم ؟ فعنه جوابان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق ، كان معناه : أنهم لا يخرجون عن قبضته ، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب ، ولا يخفى عليه مستتر .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن المعنى : أنه وإن كان قادرا عليهم ، فهو لا يظلمهم ، ولا يريد إلا العدل ، ذكرهما ابن الأنباري .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية