الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين . لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وما علمناه الشعر قال المفسرون: إن كفار مكة قالوا: إن [ ص: 34 ] هذا القرآن شعر وإن محمدا شاعر، فقال الله تعالى: "وما علمناه الشعر" وما ينبغي له أي: ما يتسهل له ذلك . قال المفسرون: ما كان يتزن له بيت شعر، حتى إنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه تمثل يوما فقال:

                                                                                                                                                                                                                                      "كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا"

                                                                                                                                                                                                                                      فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنما قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا



                                                                                                                                                                                                                                      أشهد أنك رسول الله، ما علمك الله الشعر، وما ينبغي لك .
                                                                                                                                                                                                                                      ودعا يوما بعباس بن مرادس فقال: "أنت القائل:


                                                                                                                                                                                                                                      أتجعل نهبي ونهب العبيـ     ـد بين الأقرع وعيينة"؟



                                                                                                                                                                                                                                      فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي لم يقل كذلك، فأنشده أبو بكر، فقال [ ص: 35 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يضرك بأيهما بدأت" فقال أبو بكر: والله ما أنت بشاعر" ولا ينبغي لك الشعر .
                                                                                                                                                                                                                                      وتمثل يوما، فقال:


                                                                                                                                                                                                                                      "ويأتيك من لم تزوده بالأخبار"



                                                                                                                                                                                                                                      فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: "إني لست بشاعر، ولا ينبغي لي" .
                                                                                                                                                                                                                                      وإنما منع من قول الشعر، لئلا تدخل الشبهة على قوم فيما أتى به من القرآن فيقولون: قوي على ذلك بما في طبعه من الفطنة للشعر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 36 ] [ ص: 37 ] قوله تعالى: إن هو يعني القرآن إلا ذكر إلا موعظة وقرآن مبين فيه الفرائض والسنن [والأحكام] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لينذر قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: "لينذر" بالياء، يعنون القرآن . وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: "لتنذر" بالتاء، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، أي: لتنذر يا محمد بما في القرآن . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن السميفع: "لينذر" بياء مرفوعة وفتح الذال والراء جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: من كان حيا وفيه أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: حي القلب حي البصر، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: من كان عاقلا، قاله الضحاك . قال الزجاج : من كان يعقل ما يخاطب به، فإن الكافر كالميت في ترك النذير .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: مهتديا، قاله السدي وقال مقاتل: من كان مهتديا في علم الله .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: من كان مؤمنا، قاله يحيى بن سلام; وهذا على المعنى الذي قد سبق في قوله: إنما تنذر الذين يخشون ربهم [فاطر: 18]، ويجوز أن يريد: إنما ينفع إنذارك من كان مؤمنا في علم الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ويحق القول على الكافرين معناه: يجب . وفي المراد بالقول قولان . أحدهما: أنه العذاب . والثاني: الحجة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية