الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 301 ] سورة الزخرف

                                                                                                                                                                                                                                      هي مكية بإجماعهم

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مقاتل: هي مكية، إلا آية، وهي قوله: واسأل من أرسلنا [الزخرف: 45] .

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      حم . والكتاب المبين . إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون . وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم . أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين . وكم أرسلنا من نبي في الأولين . وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون . فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين . ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم . الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 302 ] قوله تعالى: حم قد تقدم بيانه [المؤمن] .

                                                                                                                                                                                                                                      والكتاب المبين قسم بالقرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      إنا جعلناه قال سعيد بن جبير: أنزلناه . وما بعد هذا تقدم بيانه [النساء: 82، يوسف: 2] إلى قوله: وإنه يعني القرآن في أم الكتاب قال الزجاج : أي: في أصل الكتاب، وأصل كل شيء: أمه، والقرآن مثبت عند الله عز وجل في اللوح المحفوظ .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لدينا أي: عندنا لعلي أي: رفيع .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى الحكيم قولان . أحدهما: محكم، أي: ممنوع من الباطل، قاله مقاتل . والثاني: حاكم لأهل الإيمان بالجنة ولأهل الكفر بالنار، ذكره أبو سليمان الدمشقي، والمعنى: إن كذبتم به يا أهل مكة فإنه عندنا شريف عظيم المحل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أفنضرب عنكم الذكر صفحا قال ابن قتيبة : أي: نمسك عنكم فلا نذكركم صفحا، أي: إعراضا، يقال: صفحت عن فلان: إذا أعرضت عنه، والأصل في ذلك أن توليه صفحة عنقك، قال كثير يصف امرأة:


                                                                                                                                                                                                                                      صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة فمن مل منها ذلك الوصل ملت



                                                                                                                                                                                                                                      أي: معرضة بوجهها، يقال; ضربت عن فلان كذا: إذا أمسكته وأضربت عنه . أن كنتم قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو ، وابن عامر: "أن كنتم" بالنصب، أي: لأن كنتم قوما مسرفين . وقرأ نافع، وحمزة، [ ص: 303 ] والكسائي: "إن كنتم" بكسر الهمزة . قال الزجاج : وهذا على معنى الاستقبال، أي: إن تكونوا مسرفين نضرب عنكم الذكر .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المراد بالذكر قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه ذكر العذاب، فالمعنى: أفنمسك عن عذابكم ونترككم على كفركم؟! وهذا معنى قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه القرآن، فالمعنى: أفنمسك عن إنزال القرآن من أجل أنكم لا تؤمنون به؟! وهو معنى قول قتادة، وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: "مسرفين" بمعنى مشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أعلم نبيه أني قد بعثت رسلا فكذبوا فأهلكت المكذبين بالآيات التي تلي هذه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أشد منهم أي: من قريش بطشا أي: قوة ومضى مثل الأولين أي: سبق وصف عقابهم فيما أنزل عليك . وقيل: سبق تشبيه حال أولئك بهؤلاء في التكذيب، فستقع المشابهة بينهم في الإهلاك .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخبر عن جهلهم حين أقروا بأنه خالق السموات والأرض ثم عبدوا غيره بالآية التي تلي هذه; ثم التي تليها مفسرة في [طه: 53] إلى قوله: لعلكم تهتدون أي: لكي تهتدوا في أسفاركم إلى مقاصدكم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية