الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [154] ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      ثم آتينا أي: أعطينا: موسى الكتاب يعني التوراة: تماما على الذي أحسن يقرأ بفتح النون على أنه فعل ماض وفاعله إما ضمير (الذي) أي: تماما للكرامة والنعمة على الذي أحسن. أي: على من كان محسنا صالحا. يريد جنس المحسنين. وتدل عليه قراءة عبد الله: (على الذين أحسنوا) وإما ضمير موسى عليه السلام ومفعوله محذوف. أي: تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل ما أمر به. أو تماما على الذي أحسن موسى من العلم والشرائع. من (أحسن الشيء) إذا أجاد معرفته، أي: زيادة على علمه على وجه التتميم [ ص: 2573 ] وعلى الأول ف (تماما) في موقع المفعول له. وجاز حذف اللام لكونه في معنى (إتماما) أو مصدر لقوله (آتينا) من معناه؛ لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة. كأنه قيل: أتممنا النعمة إتماما. ف (تمام) بمعنى (إتمام) كنبات في قوله تعالى: والله أنبتكم من الأرض نباتا أو (أصله إيتاء تمام). وعلى الوجه الثاني هو حال من الكتاب. وقرأ يحيى بن يعمر (على الذي أحسن) بالرفع أي: على الذي هو أحسن، أو على الوجه الذي هو أحسن ما يكون عليه الكتب. ف (تماما) حال من الكتاب بمعنى (تاما) أي: حال كون الكتاب تاما كائنا على أحسن ما يكون. قال ابن جرير: هذه قراءة لا أستجيز القراءة بها. وإن كان في العربية له وجه صحيح. وتفصيلا لكل شيء أي: وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في الدين: وهدى لهم إلى ربهم في سلوك سبيله: ورحمة عليهم بإفاضة الفوائد: لعلهم أي: أهل الكتاب: بلقاء ربهم يؤمنون يصدقون بلقائه للجزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      لطيفة:

                                                                                                                                                                                                                                      قال السيوطي في "الإكليل": استدل بقوله تعالى: ثم آتينا من قال إن: ثم لا تفيد الترتيب. انتهى

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير و: ثم ههنا لعطف الخبر بعد الخبر، لا للترتيب كما قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم ساد قبل ذلك جده



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو السعود: و: ثم للتراخي في الأخبار كما في قولك: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب. أو للتفاوت في الرتبة كأنه قيل: ذلك وصاكم به قديما وحديثا. ثم أعظم من ذلك أنا آتينا موسى التوراة. فإن إيتاءها مشتملة على الوصية المذكورة وغيرها، أعظم من التوصية بها فقط. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية