الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 88 ] فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين

                                                                                                                                                                                                                                      فلما دخلوا عليه أي على يوسف بعد ما رجعوا إلى مصر، ولانفهامه من المقام طوى ذكره إيجازا: قالوا يا أيها العزيز أي الملك القادر، المتمنع، مسنا وأهلنا الضر أي الشدة من الجدب، وجئنا ببضاعة مزجاة أي: بدراهم قليلة في مقابلة ما نمتاره. استقلوا الثمن واستحقروه; اتضاعا لهيبة الملك، واستجلابا لرأفته وحنانه. وأصل معنى (التزجية): الدفع والرمي، فكنوا به عن القليل الذي يدفع; رغبة عنه، لذلك فأوف لنا الكيل أي: أتممه ووفره بهذه الدراهم المزجاة، كما توفره بالدراهم الجياد. وتصدق علينا أي: برد أخينا، أو بالإيفاء، أو بالمسامحة وقبول ما لا يعد عوضا: إن الله يجزي المتصدقين أي يثيبهم أحسن المثوبة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 3586 ] تنبيهات:

                                                                                                                                                                                                                                      الأول: في الآية إرشاد إلى أدب جليل، وهو تقديم الوسائل أمام المآرب، فإنها أنجح لها. وهكذا فعل هؤلاء: قدموا ما ذكر من رقة الحال، والتمسكن، وتصغير العوض، ولم يفجؤوه بحاجتهم; ليكون ذريعة إلى إسعاف مرامهم، ببعث الشفقة، وهز العطف والرأفة، وتحريك سلسلة الرحمة -كما قدمنا- ومن ثم رق لهم، وملكته الرحمة عليهم، فلم يتمالك أن عرفهم نفسه، -كما يأتي-.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: يؤخذ من الآية جواز شكوى الحاجة لمن يرجى منه إزالتها.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: استدل بعضهم بقوله تعالى: فأوف لنا الكيل على أن أجرة الكيال على البائع; لأنه إذا كان عليه توفية الكيل، فعليه مؤنته، وما يتم به.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: استدل بقوله تعالى: وتصدق علينا من قال: إن الصدقة لم تكن محرمة على الأنبياء -كذا في الإكليل- وهذا بعد تسليم نبوة إخوة يوسف. وفيها خلاف. وسيأتي في التنبيهات، آخر السورة، تحقيق ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: في قوله تعالى: إن الله يجزي المتصدقين حث على الإحسان، وإشارة إلى أن المحسن يجزى أحسن جزاء منه تعالى، وإن لم يجزه المحسن إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية