الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 679 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [264] يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين .

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى أي: لا تحبطوا أجرها بكل واحد منهما، فإنهما إساءتان ينافيان الإحسان المعتبر في الصدقة، والمنافي مبطل كالرياء.

                                                                                                                                                                                                                                      فيصير المان والمؤذي: كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر في بطلان صدقته، و (رئاء) إما مفعول له أو حال. أي: مرائيا. والهمزة الأولى في (رئاء) عين الكلمة لأنه من: راءى، والأخيرة بدل من الياء لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة كالقضاء، ويجوز تخفيف الهمزة الأولى بأن تقلب ياء فرارا من ثقل الهمزة بعد الكسرة، وقد قرئ به. قاله أبو البقاء.

                                                                                                                                                                                                                                      فمثله أي: هذا المنفق رياء، في إنفاقه مقارنا لما يفسده. ومثل نفقته: كمثل صفوان وهو حجر أملس: عليه تراب فأصابه وابل أي: مطر كثير: فتركه صلدا أي: أجرد لا شيء عليه: لا يقدرون على شيء مما كسبوا أي: المرائي والمان والمؤذي، لا يقدرون على تحصيل شيء من ثواب ما عملوا لبطلانه. كقوله: فجعلناه هباء منثورا

                                                                                                                                                                                                                                      فلا يجدون ثواب صدقاتهم كما لا يوجد على الصفا التراب بعد ما أصابه الوابل: والله لا يهدي القوم الكافرين إلى الخير والرشاد. وفيه تعريض بأن الرياء والمن والأذى على الإنفاق من صفات الكفار، ولا بد للمؤمن أن يتجنب عنها، وقد ورد في وعيد المن بالصدقة أحاديث متواترة، ففي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ثلاثة [ ص: 680 ] لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب » . وفي سنن النسائي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق لوالديه ولا منان » .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية