الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [ 23 ] ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أي: من المستأهلين لمقام الشفاعة [ ص: 4952 ] . كالنبيين والملائكة. وهذا تكذيب لقولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله: حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بكلمة يتكلم بها رب العزة، في إطلاق الإذن، تباشروا بذلك: قالوا أي: سائلا بعضهم بعضا: ماذا قال ربكم قالوا الحق أي: قال القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى : وهو العلي الكبير أي: ذو العلو والكبرياء، ليس لملك ولا نبي أن يتكلم إلا بإذنه، وأن يشفع إلا لمن ارتضى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : هذا أيضا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي. فسمع أهل السماوات كلامه، أرعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي. قاله ابن مسعود رضي الله عنه، ومسروق ، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : فإن قلت: بم اتصل قوله تعالى: حتى إذا فزع عن قلوبهم ولأي شيء وقعت حتى غاية؟ قلت: بما فهم من هذا الكلام، من أن ثم انتظارا للإذن وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أو لا يؤذن، وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص، ومثل هذه الحال دل عليه قوله عز وجل: رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا أي: وإذا كانت الشفاعة لمن أذن له بهذا الحال، عظمة وسموا من ذي الجلال، فأنى ينالها جماد لا يعقل، لا سيما وهو عدو للكبير المتعال، فتبين كذبهم فيهم أنهم شفعاء، وحرمانهم من مقامها، بأجلى بيان وأفصح مقال.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الآية تأويل آخر، وهو أن معنى قوله تعالى: حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: عن قلوب المشركين عند الاحتضار، ويوم القيامة إذا تنبهوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، ورجعت إليهم عقولهم يوم القيامة، قالوا ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم الحق وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا. قال مجاهد : حتى إذا فزع عن قلوبهم أي: كشف عنها الغطاء يوم القيامة. وقال الحسن : أي: كشف عما فيها من الشك والتكذيب. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم [ ص: 4953 ] : هذا عند الموت، أقروا حين لا ينفعهم الإقرار. واختار ابن جرير القول الأول، وهو أن الضمير عائد إلى الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه; لصحة الأحاديث فيه والآثار، أي: ولورود ما يؤيده في آية أخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وذلك في قوله تعالى: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون نعم، النظم الكريم لا يأبى ما ذكروه، إلا أن مراعاة الأشباه والنظائر هو العمدة في باب فهم التأويل، ما وجد إليها سبيل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية