الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [8 - 9] ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى

                                                                                                                                                                                                                                      ثم دنا أي: ثم بعد استوائه اقترب جبريل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى أي: إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جرير : هذا من المؤخر الذي معناه التقديم، وإنما هو ثم تدلى فدنا، ولكنه حسن تقديم قوله: دنا إذ كان الدنو يدل على التدلي، والتدلي على الدنو. كما يقال: زارني فلان فأحسن إلي فزارني.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشهاب : التدلي مجاز عن التعلق بالنبي بعد الدنو منه، لا بمعنى التنزل من علو، كما هو المشهور. أو هو دنو بحالة التعلق، فلا قلب ولا تأويل بـ: أراد الدنو، كما في (الإيضاح).

                                                                                                                                                                                                                                      فكان قاب قوسين أو أدنى أي: كان مسافة ما بينهما مقدار قوسين. أي: بقدرهما إذا مدا أو أقرب. أو الضمير لجبريل ، أي: كأنه قربه قدر ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشهاب : وقاب القوس وقيبه: ما بين الوتر ومقبضه، والمراد به المقدار، فإنه يقدر بالقوس، كالذراع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قيل: إنه مقلوب، أي: قابي قوس، ولا حاجة إليه؛ فإن هذا إشارة إلى ما كانت العرب في الجاهلية تفعله، إذا تحالفوا أخرجوا قوسين، ويلصقون إحداهما بالأخرى، فيكون القاب ملاصقا للآخر، حتى كأنهما ذوا قاب واحد، ثم ينزعانهما معا ويرميان بهما سهما واحدا، فيكون ذلك إشارة إلى أن رضا أحدهما رضا الآخر، وسخطه سخطه، لا يمكن خلافه، كذا قال مجاهد ، وارتضاه عامة المفسرين. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5561 ] قال السمين: وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      أو أدنى كقوله: أو يزيدون، لأن المعنى: فكان بأحد هذين المقدارين في رأي الرائي، أي: لتقارب ما بينهما، يشك الرائي في ذلك. فهو تمثيل لشدة القرب، وتحقيق استماعه لما أوحى إليه بأنه في رأي العين، ورأي الواقف عليه، كما مر في أو يزيدون فإن المعنى: إذا رآهم الرائي يقول: هم مائة ألف أو يزيدون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (أو) بمعنى (بل)، أي: بل أدنى.

                                                                                                                                                                                                                                      و (أدنى) أفعل تفضيل، والمفضل عليه محذوف. أي: أو أدنى من قاب قوسين. وقوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية