الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل وقوله : { ويتجنبها الأشقى } { الذي يصلى النار الكبرى } { ثم لا يموت فيها ولا يحيا } . وقد ذكر في سورة الليل قوله : { فأنذرتكم نارا تلظى } { لا يصلاها إلا الأشقى } { الذي كذب وتولى } .

                وهذا الصلي قد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح [ ص: 195 ] الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال : بخطاياهم فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر . فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم . فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل . فقال رجل من القوم : كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية } .

                وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم فقال : ذكر عن عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا أبي ثنا سليمان التيمي عن أبي نضرة عن أبي سعيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه { ثم لا يموت فيها ولا يحيا } فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما أهلها الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون . وأما الذين ليسوا من أهل النار فإن النار تميتهم ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فيهم فيشفعون فيؤتى بهم إلى نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت الغثاء في حميل السيل } .

                فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم [ أن ] هذا الصلي لأهل النار الذين هم أهلها وأن الذين ليسوا من أهلها فإنها تصيبهم بذنوبهم وأن الله يميتهم فيها حتى يصيروا فحما ثم يشفع فيهم فيخرجون ويؤتى [ ص: 196 ] بهم إلى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .

                وهذا المعنى مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم بل متواتر في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما .

                وفيها الرد على طائفتين . على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون " إن أهل التوحيد يخلدون فيها " وهذه الآية حجة عليهم وعلى من حكي عنه من غلاة المرجئة " أنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد " . فإن إخباره بأن أهل التوحيد يخرجون منها بعد دخولها تكذيب لهؤلاء وأولئك .

                وفيه رد على من يقول " يجوز أن لا يدخل الله من أهل التوحيد أحدا النار " كما يقوله طائفة من المرجئة الشيعة ومرجئة أهل الكلام المنتسبين إلى السنة وهم الواقفة من أصحاب أبي الحسن وغيرهم كالقاضي أبي بكر وغيره . فإن النصوص المتواترة تقتضي دخول بعض أهل التوحيد وخروجهم .

                والقول بـ " أن أحدا لا يدخلها من أهل التوحيد " ما أعلمه ثابتا عن شخص معين فأحكيه عنه . لكن حكي عن مقاتل بن سليمان [ ص: 197 ] وقال : احتج من قال ذلك بهذه الآية .

                وقد أجيبوا بجوابين .

                أحدهما : جواب طائفة منهم الزجاج قالوا . هذه نار مخصوصة .

                لكن قوله بعدها { وسيجنبها الأتقى } لا يبقى فيه كبير وعد فإنه إذا جنب تلك النار جاز أن يدخل غيرها .

                وجواب آخرين قالوا : لا يصلونها صلي خلود . وهذا أقرب .

                وتحقيقه أن الصلي هنا هو الصلي المطلق وهو المكث فيها والخلود على وجه يصل العذاب إليهم دائما .

                فأما من دخل وخرج فإنه نوع من الصلي ليس هو الصلي المطلق لا سيما إذا كان قد مات فيها والنار لم تأكله كله فإنه قد ثبت أنها لا تأكل مواضع السجود والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية