الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 403 ] فصل وقوله : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } دليل على أن التيمم مطهر كالماء سواء .

                وكذلك ثبت في صحيح السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين . فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك فإن ذلك خير } رواه الترمذي وصححه ورواه أبو داود والنسائي .

                وفي الصحيح عنه : قال { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } .

                وهو - صلى الله عليه وسلم - جعل التراب طهورا في طهارة الحدث وطهارة الجنب . كما قال في حديث أبي سعيد { إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما فإن كان بهما أذى - أو خبث - فليدلكهما بالتراب . فإن التراب لهما طهور } وقال في حديث أم سلمة [ ص: 404 ] { ذيل المرأة يطهره ما بعده } .

                فدل على أن التيمم مطهر يجعل صاحبه طاهرا كما يجعل الماء مستعمله في الطهارة طاهرا إن لم يكن جنبا ولا محدثا . فمن قال : إن المتيمم جنب أو محدث فقد خالف الكتاب والسنة . بل هو متطهر .

                وقوله في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه { أصليت بأصحابك وأنت جنب } ؟ " استفهام . أي هل فعلت ذلك ؟ فأخبره عمرو رضي الله عنه أنه لم يفعله بل تيمم لخوفه : أن يقتله البرد . فسكت عنه وضحك . ولم يقل شيئا .

                فإن قيل : إن هذا إنكار عليه : أنه صلى مع الجنابة . فإنه يدل على أن الصلاة مع الجنابة لا تجوز . فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر ما هو منكر فلما أخبره : أنه صلى بالتيمم . دل على أنه لم يصل وهو جنب .

                فالحديث حجة على من احتج به وجعل المتيمم جنبا ومحدثا . والله يقول : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فلم يجز الله له الصلاة حتى يتطهر . والمتيمم قد تطهر بنص الكتاب والسنة . فكيف يكون جنبا [ ص: 405 ] غير متطهر ؟ لكنها طهارة بدل . فإذا قدر على الماء بطلت هذه الطهارة وتطهر بالماء حينئذ . لأن البول المتقدم جعله محدثا . والصعيد جعله مطهرا إلى أن يجد الماء . فإن وجد الماء فهو محدث بالسبب المتقدم لا أن الحدث كان مستمرا .

                ثم من قال : التيمم مبيح لا رافع فإن نزاعه لفظي . فإنه إن قال : إنه يبيح الصلاة مع الجنابة والحدث وإنه ليس بطهور فهو يخالف النصوص . والجنابة محرمة للصلاة . فيمتنع أن يجتمع المبيح والمحرم على سبيل التمام فإن ذلك يقتضي اجتماع الضدين . والمتيمم غير ممنوع من الصلاة . فالمنع ارتفع بالاتفاق وحكم الجنابة المنع . فإذا قيل بوجوده بدون مقتضاها - وهو المنع - فهذا نزاع لفظي .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية