الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عن صلاة الجمعة في جامع القلعة : هل هي جائزة مع أن في البلد خطبة أخرى مع وجود سورها وغلق أبوابها أم لا ؟

                التالي السابق


                فأجاب : نعم يجوز أن يصلي فيها جمعة لأنها مدينة أخرى . كمصر والقاهرة ولو لم تكن كمدينة أخرى فإقامة الجمعة في المدينة الكبيرة في موضعين للحاجة يجوز عند أكثر العلماء ; ولهذا لما بنيت بغداد ولها جانبان أقاموا فيها جمعة في الجانب الشرقي وجمعة في الجانب الغربي . وجوز ذلك أكثر العلماء وشبهوا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم في مدينته إلا في موضع يخرج بالمسلمين فيصلي العيد بالصحراء وكذلك كان الأمر في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان . فلما تولى علي بن أبي طالب وصار بالكوفة وكان الخلق بها كثيرا قالوا : يا أمير المؤمنين إن بالمدينة شيوخا وضعفاء يشق عليهم الخروج إلى الصحراء فاستخلف [ ص: 209 ] علي بن أبي طالب رجلا يصلي بالناس العيد في المسجد وهو يصلي بالناس خارج الصحراء ولم يكن هذا يفعل قبل ذلك وعلي من الخلفاء الراشدين . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي } . فمن تمسك بسنة الخلفاء الراشدين فقد أطاع الله ورسوله والحاجة في هذه البلاد وفي هذه الأوقات تدعو إلى أكثر من جمعة إذ ليس للناس جامع واحد يسعهم ولا يمكنهم جمعة واحدة إلا بمشقة عظيمة .

                وهنا وجه ثالث : وهو أن يجعل القلعة كأنها قرية خارج المدينة . والذي عليه الجمهور كمالك والشافعي وأحمد أن الجمعة تقام في القرى ; لأن في الصحيح عن ابن عباس أنه قال : " أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة المدينة جمعة " بجواثى " قرية من قرى البحرين " وكان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه وفد عبد القيس . وكذلك كتب عمر بن الخطاب إلى المسلمين يأمرهم بالجمعة حيث كانوا . وكان عبد الله بن عمر يمر بالمياه التي بين مكة والمدينة وهم يقيمون الجمعة فلا ينكر عليهم .

                وأما قول علي رضي الله عنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع . فلو لم يكن له مخالف لجاز أن يراد به أن كل قرية مصر جامع كما أن المصر الجامع يسمى قرية . وقد سمى الله مكة قرية بل سماها [ ص: 210 ] " أم القرى " بل وما هو أكبر من مكة كما في قوله : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم } وسمى مصر القديمة قرية بقوله : { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } . ومثله في القرآن كثير والله أعلم .




                الخدمات العلمية