الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج } وهذا يبين أن الوفاء بالشروط في النكاح أولى منها في البيع ; ولهذا قال كثير من السلف والخلف : إنه إذا اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله : مثل أن يشترط أن يتزوجها بلا مهر أو بمهر محرم فهذا نكاح باطل كنكاح الشغار وغيره . وهذا مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين .

                [ ص: 343 ] وقد { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار } وأبطله الصحابة ; فإنهم أشغروا النكاح عن مهر . هذا هو العلة في نصوص أحمد المشهورة عنه وهو قول مالك وغيره . وعند طائفة من أصحابه : العلة ما قاله الشافعي وهو التشريك في البضع . والأول أصح . وهذا لا معنى له ; فإن البضع لم يحصل فيه اشتراك ; بل كل من الزوجين ملك بضع امرأة بلا شركة وإن كان قد جعل صداقها بضع الأخرى فالمرأة الحرة لم تملك بضع المرأة ولا يمكن هذا ; فإن امرأة لا تتزوج امرأة ; ولكن جعلت لوليها ما تستحقه من المهر فوليها هو الذي ملك البضع وجعل صداقها ملك وليها البضع وهي لم تملك شيئا ; فلهذا كان شغارا . والمكان الشاغر الخالي . وشغرت هذه الجهة أي خلت . ومن أصدقت شيئا ولم يحصل لها ما أصدقته لم يكن النكاح لازما وأعطيت بدله كما في البيع وأولى : { فإن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج } .

                ومن التزمت بالنكاح من غير أن تحصل ما رضيته فقد التزمت بالنكاح الذي لم ترض به وهذا خلاف الكتاب والسنة . وإذا كان مثل هذا لا يجوز في البيع فإنه لا يجوز في النكاح أولى . والشارع لم يلزمها النكاح على هذا الوجه ولا هي التزمته وإنما يجب على الإنسان ما يجب بإلزام الشارع أو بالتزامه وكلاهما منتف فلا معنى [ ص: 344 ] لالتزامها بنكاح لم ترض به .

                وقول من قال : المهر ليس بمقصود : كلام لا حقيقة له ; فإنه ركن في النكاح وإذا شرط فيه كان أوكد من شرط الثمن ; لقوله : { إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج } . والأموال تباح بالبدل والفروج لا تستباح إلا بالمهور ; وإنما ينعقد النكاح بدون فرضه وتقريره ; لا مع نفيه . والنكاح المطلق ينصرف إلى مهر المثل وكذلك البيع على الصحيح - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - ينعقد بالسعر فلا فرق كما قد بسط في مواضع .

                والذي يثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن النكاح ينعقد بدون فرض المهر . أي بدون تقديره ; لا أنه ينعقد مع نفيه ; بل قد قال تعالى : { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } لما جوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلا مهر فرض عليهم أن لا يتزوجوا بلا مهر . وكذلك دل عليه القرآن في غير موضع فلا بد من مهر مسمى مفروض أو مسكوت عن فرضه ثم إن فرض ما تراضيا به وإلا فلها مهر نسائها كما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق . وأين هذا من هذا والناس دائما يتناكحون مطلقا وقد تراضوا بالمهر المعتاد في مثل ذلك وهو مهر المثل كما يتبايعون دائما وقد تراضوا بالسعر الذي يبيع به البائع في [ ص: 345 ] مثل تلك الأوقات كما يشترون الخبز والأدم والفاكهة واللحم وغير ذلك من الخباز واللحام والفومي وغير ذلك وقد رضوا أن يعطيهم ثمن المثل وهو السعر الذي يبيع به للناس وهو ما ساغ به مثل تلك السلعة في ذلك المكان والزمان وهذا البيع صحيح نص عليه أحمد وإن كان في مذهبه نزاع فيه .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية