الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل عن بيع ما في بطن الأرض من اللفت والجزر والقلقاس ونحوه : هل يجوز أم لا .

                التالي السابق


                فأجاب : أما بيع المغروس في الأرض الذي يظهر ورقه كاللفت والجزر والقلقاس والفجل والثوم والبصل وشبه ذلك ففيه قولان للعلماء .

                أحدهما : أنه لا يجوز كما هو المشهور عن أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما . قالوا : لأن هذه أعيان غائبة لم تر ولم توصف فلا يجوز بيعها كغيرها من الأعيان الغائبة ; وذلك داخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 488 ] عن بيع الغرر .

                والثاني : أن بيع ذلك جائز ، كما يقوله من يقوله من أصحاب مالك وغيره وهو قول في مذهب أحمد وغيره وهذا القول هو الصواب لوجوه .

                منها : أن هذا ليس من الغرر ; بل أهل الخبرة يستدلون بما يظهر من الورق على المغيب في الأرض كما يستدلون بما يظهر من العقار من ظواهره على بواطنه وكما يستدلون بما يظهر من الحيوان على بواطنه . ومن سأل أهل الخبرة أخبروه بذلك والمرجع في ذلك إليهم .

                والثاني : أن العلم في جميع المبيع يشترط في كل شيء بحسبه فما ظهر بعضه وخفي بعضه وكان في إظهار باطنه مشقة وحرج : اكتفي بظاهره ; كالعقار فإنه لا يشترط رؤية أساسه ودواخل الحيطان وكذلك الحيوان وكذلك أمثال ذلك .

                الثالث : أنه ما احتيج إلى بيعه فإنه يوسع فيه ما لا يوسع في غيره ; فيبيحه الشارع للحاجة مع قيام السبب الخاص كما أرخص في بيع العرايا بخرصها وأقام الخرص مقام الكيل عند الحاجة ولم يجعل ذلك من المزابنة التي نهي عنها : فإن المزابنة بيع المال بجنسه مجازفة إذا كان [ ص: 489 ] ربويا بالاتفاق وإن كان غير ربوي فعلى قولين وكذلك رخص النبي صلى الله عليه وسلم في ابتياع الثمر بعد بدو صلاحه بشرط التبقية مع أن إتمام الثمر لم يخلق بعد ولم ير . فجعل ما لم يوجد ولم يخلق ولم يعلم تابعا لذلك والناس محتاجون إلى بيع هذه النباتات في الأرض .

                ومما يشبه ذلك بيع المقاثي كمقاثي البطيخ والخيار والقثاء وغير ذلك فمن أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما من يقول : لا يجوز بيعها إلا لقطة لقطة . وكثير من العلماء من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما قالوا : إنه يجوز بيعها مطلقا على الوجه المعتاد وهذا هو الصواب فإن بيعها لا يمكن في العادة إلا على هذا الوجه وبيعها لقطة لقطة إما متعذر وإما متعسر ; فإنه لا يتميز لقطة عن لقطة ; إذ كثير من ذلك لا يمكن التقاطه ويمكن تأخيره . فبيع المقثاة بعد ظهور صلاحها كبيع ثمرة البستان بعد بدو صلاحها وإن كان بعض المبيع لم يخلق بعد ولم ير ; ولهذا إذا بدا صلاح بعض الشجرة كان صلاحا لباقيها باتفاق العلماء ويكون صلاحها صلاحا لسائر ما في البستان من ذلك النوع في أظهر قولي العلماء . وقول جمهورهم : بل يكون صلاحا لجميع ثمرة البستان التي جرت العادة بأن يباع جملة في أحد قولي العلماء . وهذه المسائل وغيرها مما ذكرنا في هذا الجواب مبسوطة في غير هذا الموضع .




                الخدمات العلمية