الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 322 ] سئل رحمه الله تعالى عن رجلين تنازعا في أمر نبي الله " عيسى ابن مريم " - عليه السلام - فقال أحدهما : إن عيسى ابن مريم توفاه الله ثم رفعه إليه ; وقال الآخر : بل رفعه إليه حيا . فما الصواب في ذلك . وهل رفعه بجسده أو روحه أم لا ؟ وما الدليل على هذا وهذا ؟ وما تفسير قوله تعالى { إني متوفيك ورافعك إلي } ؟

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله . عيسى عليه السلام حي وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية } " وثبت في الصحيح عنه " { أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق وأنه يقتل الدجال } " . ومن فارقت روحه جسده لم ينزل جسده من السماء وإذا أحيي فإنه يقوم من قبره .

                وأما قوله تعالى { إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا } فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت ; إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين ; فإن الله يقبض أرواحهم ويعرج بها إلى السماء فعلم أن ليس في ذلك خاصية . وكذلك قوله : { ومطهرك من الذين كفروا } ولو [ ص: 323 ] كان قد فارقت روحه جسده لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء أو غيره من الأنبياء .

                وقد قال تعالى في الآية الأخرى : { وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه } فقوله هنا : { بل رفعه الله إليه } يبين أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه ; إذ لو أريد موته لقال : وما قتلوه وما صلبوه ; بل مات . فقوله : { بل رفعه الله إليه } يبين أنه رفع بدنه وروحه كما ثبت في الصحيح أنه ينزل بدنه وروحه . ولهذا قال من قال من العلماء : { إني متوفيك } أي قابضك أي قابض روحك وبدنك يقال : توفيت الحساب واستوفيته ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح دون البدن ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة .

                وقد يراد به توفي النوم كقوله تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } وقوله : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار } وقوله : { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا } وقد ذكروا في صفة توفي المسيح ما هو مذكور في موضعه . والله تعالى أعلم .




                الخدمات العلمية