الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عن رجل تزوج بامرأتين : إحداهما مسلمة والأخرى كتابية ثم قال : إحداكما طالق ومات قبل البيان فلمن تكون التركة من بعده ؟ وأيهما تعتد عدة الطلاق ؟

                التالي السابق


                فأجاب : هذه المسألة فيها تفصيل ونزاع بين العلماء . فمنهم من فرق بين أن يطلق معينة وينساها أو يجهل عينها ; وبين أن يطلق مبهمة ويموت قبل تمييزها بتعيينه أو تعريفه . ثم منهم من يقول : يقع الطلاق بالجميع . كقول مالك . ومنهم من يقول لا يقع إلا بواحدة : كقول الثلاثة وإذا قدر تعيينها ولم تعين : فهل تقسم [ ص: 372 ] التركة بين المطلقة وغيرها كما يقوله أبو حنيفة ؟ أو يوقف الأمر حتى يصطلحا كما يقول الشافعي ؟ أو يقرع بين المطلقة وغيرها كما يقول أحمد وغيره من فقهاء الحديث ؟ على ثلاثة أقوال والقرعة بعد الموت هي قرعة على المال ; ولهذا قال بها من لم ير القرعة في المطلقات .

                والصحيح في هذه المسألة - سواء كانت المطلقة مبهمة أو مجهولة - أن يقرع بين الزوجتين فإذا خرجت القرعة على المسلمة لم ترث هي ولا الذمية شيئا أما هي فلأنها مطلقة وأما الذمية فإن الكافر لا يرث المسلم وإن خرجت القرعة على الذمية ورثت المسلمة ميراث زوجة كاملة هذا إذا كان الطلاق طلاقا محرما للميراث مثل أن يبينها في حال صحته . فأما إن كان الطلاق رجعيا في الصحة والمرض ومات قبل انقضاء العدة فهذه زوجته ترث وعليها عدة الوفاة باتفاق الأئمة وتنقضي بذلك عدتها عند جمهورهم : كمالك والشافعي وأبي حنيفة وهو قول أحمد في إحدى الروايتين . والمشهور عنه أنها تعتد أطول الأجلين من مدة الوفاة والطلاق . وإن كان الطلاق بائنا في مرض الموت فإن جمهور العلماء على أن البائنة في مرض الموت ترث إذا كان طلقها طلاقا فيه قصد حرمانها الميراث . هذا قول مالك .

                وهو يرثها وإن انقضت عدتها وتزوجت وهو مذهب أبي حنيفة وهو يرثها ما دامت في العدة وهو المشهور عنه ما لم تتزوج . وللشافعي ثلاثة أقوال كذلك ; لكن قوله الجديد أنها لا ترث . [ ص: 373 ] وأما إذا لم يتهم بقصد حرمانها : فالأكثرون على أنها لا ترث فعلى هذا لا ترث هذه المرأة ; لأن مثل هذا الطلاق الذي لم يعين فيه لا يظهر فيه قصد الحرمان ومن ورثها مطلقا - كأحمد في إحدى الروايتين - فالحكم عنده كذلك . وإذا ورثت المبتوتة فقيل : تعتد أبعد الأجلين وهو ظاهر مذهب أحمد وقول أبي حنيفة ومحمد . وقيل : تعتد عدة الطلاق فقط وهو قول مالك والشافعي المشهور عنه ورواية عن أحمد وقول للشافعي . وأما صورة أنها لم تتبين المطلقة : فإحداهما وجبت عليها عدة الوفاة والأخرى عدة الطلاق وكل منهما وجبت عليه إحدى العدتين فاشتبه الواجب بغيره ; فلهذا كان الأظهر هنا وجوب العدتين على كل منهما ; لأن الذمة لا تبرأ من أداء الواجب إلا بذلك .




                الخدمات العلمية