الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر . قالوا : فمن ثم قلنا : إن ترك التصديق بالله كفر ; وإن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه قد أوجبها كفر ; ليس بكفر بالله إنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل : كفرتني حقي ونعمتي يريد ضيعت حقي وضيعت شكر نعمتي ; قالوا : ولنا في هذا قدوة بمن روي عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين إذ جعلوا للكفر فروعا دون أصله لا ينقل صاحبه عن ملة الإسلام كما أثبتوا للإيمان من جهة العمل فروعا للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام من ذلك قول ابن عباس في قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } . قال محمد بن نصر : حدثنا ابن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام يعني ابن عروة عن حجير عن طاووس عن ابن عباس : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } ليس بالكفر الذي يذهبون إليه . حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : سئل ابن عباس عن قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال هي به كفر قال ابن طاووس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .

                حدثنا إسحاق أنبأنا وكيع عن سفيان عن معمر عن ابن طاووس عن [ ص: 327 ] أبيه عن ابن عباس قال : هو به كفر وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبه أنبأنا وكيع عن سفيان عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : قلت لابن عباس : { ومن لم يحكم بما أنزل الله } فهو كافر . قال : هو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق عن سفيان عن رجل عن طاووس عن ابن عباس قال : كفر لا ينقل عن الملة . حدثنا إسحاق أنبأنا وكيع عن سفيان عن سعيد المكي عن طاووس قال ليس بكفر ينقل عن الملة . حدثنا إسحاق أنبأنا وكيع عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال : كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق . قال محمد بن نصر : قالوا : وقد صدق عطاء قد يسمى الكافر ظالما ويسمى العاصي من المسلمين ظالما فظلم ينقل عن ملة الإسلام وظلم لا ينقل . قال الله تعالى : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } وقال : { إن الشرك لظلم عظيم } وذكر حديث ابن مسعود المتفق عليه قال : { لما نزلت : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بذلك . ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح : { إن الشرك لظلم عظيم } إنما هو الشرك } .

                [ ص: 328 ] حدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه فدخل ذات يوم فقرأ فأتى على هذه الآية { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } إلى آخر الآية فانتعل وأخذ رداءه ثم أتى إلى أبي بن كعب فقال : يا أبا المنذر أتيت قبل على هذه الآية { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } وقد نرى أنا نظلم ونفعل . فقال : يا أمير المؤمنين إن هذا ليس بذلك يقول الله : { إن الشرك لظلم عظيم } إنما ذلك الشرك . قال محمد بن نصر : وكذلك " الفسق فسقان " : فسق ينقل عن الملة وفسق لا ينقل عن الملة فيسمى الكافر فاسقا والفاسق من المسلمين فاسقا ذكر الله إبليس فقال : { ففسق عن أمر ربه } وكان ذلك الفسق منه كفرا وقال الله تعالى : { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار } يريد الكفار دل على ذلك قوله : { كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } وسمي الفاسق من المسلمين فاسقا ولم يخرجه من الإسلام .

                قال الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } وقال تعالى : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } فقالت العلماء في تفسير الفسوق هاهنا : هي المعاصي . قالوا : فلما كان الظلم ظلمين والفسق فسقين كذلك الكفر كفران : [ ص: 329 ] ( أحدهما ينقل عن الملة ) و ( الآخر لا ينقل عن الملة ) وكذلك الشرك " شركان " : شرك في التوحيد ينقل عن الملة وشرك في العمل لا ينقل عن الملة وهو الرياء قال تعالى : { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } يريد بذلك المراءاة بالأعمال الصالحة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { الطيرة شرك } .

                قال محمد بن نصر : فهذان مذهبان هما في الجملة محكيان عن أحمد بن حنبل في موافقيه من أصحاب الحديث حكى الشالنجي إسماعيل بن سعيد أنه سأل أحمد بن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصيام هل يكون مصرا من كانت هذه حاله ؟ قال : هو مصر مثل قوله : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } . يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام ومن نحو قوله : { لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن } ومن نحو قول ابن عباس في قوله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } فقلت له : ما هذا الكفر ؟ فقال : كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض وكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه . وقال ابن أبي شيبة : { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن } لا يكون مستكمل الإيمان يكون ناقصا من إيمانه قال : وسألت أحمد بن حنبل عن " الإسلام والإيمان " فقال : الإيمان قول وعمل والإسلام إقرار . قال : وبه قال أبو خيثمة وقال ابن أبي شيبة لا يكون الإسلام إلا بإيمان ولا إيمان إلا بإسلام . [ ص: 330 ] " قلت " : وقد تقدم تمام الكلام بتلازمهما وإن كان مسمى أحدهما ليس هو مسمى الآخر .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية